آلاف من السودانيين يتجمعون كل عام في مثل هذه الأيام بمنطقة سنكات شرق البلاد، لإحياء ذكرى رحيل "أم المساكين" الشريفة مريم لمدة أسبوع.
ويلبس الناس ثياباً خاصة ويمارسون طقوساً دينية معينة لهذا اليوم، الذي يطلق عليه "الحولية" أي كل عام، ويشتهر الحدث بتوافد أعداد كبيرة إليه، إذ يحظى بقدسية خاصة في نفوس أهل الشرق.
فمن هي "أم المساكين"؟
هي مريم ابنة السيد هاشم بن السيد محمد عثمان الميرغني الختم، قائد وشيخ الطريقة الختمية "كُبرى الطرق الصوفية في السودان"، سميت بأم المساكين، لأنها لم ترزق أطفالاً واتخذت من اليتامى والمساكين والأرامل أبناءً لها.
ولدت بمدينة سنكات شرقي السودان عام 1886.
ويؤرخ الدكتور مجدي الحاج لسيرتها في مدونته "ارتماءات نيلية"، فيذكر أن والدها كان حريصاً على تربيتها وتعليمها، فأحضر لها معلمين من جدة ومكة، حفظت القرآن الكريم ودرست الفقه والتوحيد وغيرها من العلوم الشرعية، ونالت قسطاً وافراً من المعرفة والثقافة العامة.
دورها الاجتماعي والديني
كما اهتمت مريم بالفقراء والمساكين اهتماماً منقطع النظير، فأنشأت "تكايا" وهي الأماكن التي يصنع فيها الطعام وتُخزن فيها المؤن، لإطعام عامة الناس في 5 مساجد وخلاوى "مكان تحفيظ القرآن الكريم" أسستها، إضافة إلى خلوتين خاصتين لتعليم النساء.
كما اشتهرت بقضاء الحوائج في زمن كثر فيه العوز حتى لقبت بلغة أهل الشرق بـ "باقد بسيت" أي السيدة التي لا ترد أحد.
كذلك، ناضلت في مجال تعليم المرأة حين كان النساء في بلادها يعانين للحصول على التعليم بحسب العادات والتقاليد في تلك الفترة.
دورها السياسي
كما كان لها دور سياسي بارز ومواقف مع علي الميرغني والحركة الوطنية والاتحادية بشكل خاص، لذا نجد أغلب من يشكل الطريقة الختمية حديثاً ينتمون للحزب الاتحادي بسبب مكانة مريم لديهم.
وفي هذا المجال أوضح القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي بركات الشيخ لـ"العربية.نت"، أن ذكرى رحيل الشريفة مُرة، وهي فقد جلل، حيث كان لها مواقفها الثابتة من الحركة الوطنية على مر التاريخ.
وأضاف أن ليس من المستغرب توافد الجموع فأهل السودان يحملون مكانة خاصة للشريفة مريم.
لا مثيل له في الشرق
يذكر أن علاقة طيبة كانت تربط مريم مع مصر، فقد سافرت الراحلة إليها في رحلة استشفاء قبل وفاتها، وكانت الإذاعة المصرية تذيع أخبارها طيلة فترة مكوثها في المستشفى وزارها كثير من القادة والسياسيين.
وتوفيت عقب عودتها من مصر في العام 1952بعد حياة حافلة بالعطاء، ودفنت بمدينة سنكات، حيث يحيي الآلاف من مريديها هذه الذكرى كل عام، كما شيعها جمع لم يشهد له مثيل في الشرق.
ولم توثق لها صور طيلة حياتها إلا واحدة بوجه مخفي، كما لم يرها سوى المقربين من الدرجة الأولى.