تخيل أن تصيح بأحد الحيوانات وتميز ماهيته كلبًا كان أو حصانًا من صداك، لم يعد ذلك مستحيلًا، إذ نجح فريق من العلماء في ابتكار تجربة مماثلة: وذلك بالتقاط صورة ثلاثية الأبعاد لأحد المشاهد عبر توقيت انعكاسات الضوء على جهاز كشف بسيط. حملت هذه التقنية الجديدة اسم «تقنية التصوير الزمني،» وهي برهان على إمكانات تقنيات تعلم الآلة وقدرتها على استنباط الأنماط من الضوضاء.
وقالت لورا والر، عالمة حاسوب ومهندسة كهرباء في جامعة كاليفورنيا في بيركلي «من المدهش حقًا أنهم استخرجوا شيئًا من النظام على الرغم من عدم توفر المعلومات الكافية. وهذا يبرهن على قدرة التعلم الآلي على حل أمور بدت غير قابلة للحل».
في التصوير الفوتوغرافي التقليدي، تنعكس الإضاءة المحيطة عن الجسم، ثم تركزها العدسة على شاشة من عناصر ضئيلة حساسة للضوء أو وحدات نقطية صغيرة، والتي يشار إليها عادة باسم البكسل. تمثل الصورة نمطًا من النقاط الساطعة والداكنة الناجمة عن الضوء المنعكس. وبإمكان ما يُدعى بكاميرا وقت-الرحلة إضافة العمق وتكوين صورة ثلاثية الأبعاد، وذلك عبر ضبط توقيت وصول وميض الضوء المنعكس إلى وحدات نقطية مختلفة.
ابتكر الباحثون في العقود الأخيرة طرقًا أكثر دقة لالتقاط صورة باستخدام جهاز كشف نقطي واحد فقط. ولتحقيق ذلك، فإنهم لا يعرضون الجسم إلى إضاءة منتظمة، بل إلى ومضات بأنماط مختلفة من الضوء تشبه بالكاد رموز الاستجابة السريعة –أي تلك الرموز الشريطية المربعة الصغيرة والموجودة على الأغلفة. ويعكس كل نمط أجزاء مختلفة من الجسم حتى تختلف كثافة الضوء المقاسة باختلاف النمط. ويسعى الباحثون بتتبع هذه الاختلافات إلى إعادة بناء صورة الجسم.
ومؤخرًا، ابتكر عالم البيانات أليكس توربن والفيزيائي دانييل فاسيو من جامعة غلاسكو وزملاؤهم وسيلة لإنتاج صورة ثلاثية الأبعاد بوحدة نقطية منفردة، أي باستخدام بكسل واحد، لكن هذه المرة من غير الومضات المنمطة. بالاستفادة من جهاز كشف أحادي الفوتون فائق السرعة، أضاؤوا مشهدًا بومضات منتظمة وقاسوا ببساطة أوقات الانعكاس. ويحسب جهاز الكشف عدد الفوتونات التي تصل كدالة زمنية بدقة تساوي ربع نانوثانية واحدة، ما يمكن الباحثين من تشكيل صورة المشهد من تلك البيانات فقط.
تصف لورا الأمر بالمدهش، لأنه لا يوجد أساسًا علاقة مباشرة بين ترتيب الأجسام في المشهد ومعلومات التوقيت. فعلى سبيل المثال، تصل الفوتونات المنعكسة عن أي سطح يبعد 3 أمتار عن جهاز الكشف خلال 10 نانوثانية بغض النظر عن اتجاه السطح. وقد يكتنف الغموض هذه العملية ويجعل المشكلة وكأنها غير قابلة للحل للوهلة الأولى، وأضافت والر «عندما سمعت بمفهوم التصوير النقطي الأحادي لأول مرة، تصورت أن نجاحه غير ممكن.»
لتجاوز هذه العقبة، استخدم توربن وزملاؤه برنامج تعلم آلي يُعرف بالشبكة العصبية، فدربوه على اكتشاف علاقات الارتباط الدقيقة بين المدخلات والمخرجات. واستخدموا ومضات الضوء وجهاز الكشف لتسجيل بيانات شخص أو اثنين يتحركان أمام مشهد خلفية ثابت وغير متماثل، وفي الوقت ذاته استخدموا كاميرا وقت-الرحلة لتسجيل صور ثلاثية الأبعاد حقيقية للمشهد.
وأفاد الباحثون الأسبوع الماضي لمجلة أوبتيكا أنه وبعد استخدام مجموعتي البيانات لتدريب الشبكة العصبية، تمكن البرنامج من تصوير الأشخاص المتحركين في المشهد ذاتيًا. ومع أن الصور الزمنية غير واضحة ومفتقرة للتفاصيل بالمقارنة مع الصور الملتقطة بكاميرا وقت- الرحلة. فهي تكشف بوضوح عن أشكال الناس.
وبإمكان الشبكة العصبية قراءة رموز الإشارات المبهمة، لأنها بفضل التدريب الذي تلقته ستحاول استحضار المشاهد والأجسام المماثلة لتلك التي رصدتها بالفعل. إلا أن هذا يعني محدودية النظام أيضًا: إذ يتعين عليه أن يتدرب على المشهد الدقيق الذي سيرصده.
وأضاف توربن أيضًا أن نظام التصوير الزمني يتمتع ببعض المزايا مقارنة بالتصوير العادي. فالنظام الجديد سيكون سريعًا جدًا، ومن المحتمل أن يعمل بمعدل 1000 إطار في الثانية. وذكر أن مثل هذا النوع من التصوير الأولي وثلاثي الأبعاد السريع قد يكون له تطبيقات مختلفة. ويمتاز النظام أيضًا بالبساطة والتكلفة الزهيدة. أما من الناحية النظرية، فقد ينجح هواة التقنية في مراقبة غرفة باستخدام حاسوب محمول وهوائي من جهاز توجيه لاسلكي.
وعلى الرغم من ذلك، أشارت والر إلى أنها لم تتبين بعد مدى فائدة هذا النظام، لأن الكاميرات الحالية أرخص ثمنًا بفارق كبير جدًا. وقالت إن التجربة تطرح بدلًا من ذلك تساؤلًا مفاهيميًا لافتًا للاهتمام، يتعلق بطريقة تعلُّم الشبكة العصبية طريقة إنشاء صور مقبولة، وقالت بأن التحدي المقبل يكمن في تجاوز استخدامات الشبكة العصبية وفهم كيفية عملها حقًا.
The post «آلة تصوير زمنية» تولد صورًا ثلاثية الأبعاد من أصداء الضوء appeared first on مرصد المستقبل.