يعد الملحن والموسيقي ورجل الدين الأرميني سوغومون سوغومونيان (Soghomon Soghomonian)، المعروف عالميا باسم كوميتاس (Komitas)، واحدا من عباقرة الموسيقى التاريخيين حيث لعب الأخير دورا بارزا في الحفاظ على التراث الموسيقي الأرميني وحمايته من سياسة طمس الهوية التي مارسها العثمانيون ضد الأرمن.
وقد لقّب كوميتاس بأحد عظماء الموسيقى من قبل ملحني عصره فعقب جولة موسيقية ناجحة بأوروبا عام 1906 التقى كوميتاس بالموسيقي الفرنسي كلود ديبوسي (Claude Debussy) الذي لم يتردد في إبداء إعجابه الشديد بألحانه الأرمينية.
طمس الهوية
ولد سوغومون سوغومونيان خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1869 بإحدى القرى الفقيرة بمنطقة كوتاهيا التركية أثناء فترة سبقت مذابح الأرمن أواخر القرن التاسع عشر على يد السلطان عبد الحميد الثاني. إلى ذلك، مارس العثمانيون شتى أنواع القمع ضد الأرمن أملا في طمس هويتهم وإجبارهم على الاندماج بالثقافة التركية. وبالعديد من مناطق الأرمن بالدولة العثمانية، أجبر الأرمن على اعتماد اللغة التركية والتخلي عن الأرمينية حيث هدد المسؤولون العثمانيون حينها بقطع لسان كل من يتكلم الأرمينية بدلا من التركية. وأمام هذا الوضع، مثلت الكنائس الملاذ الأخير للأرمن. فبها، تمكن الأرمن من الحديث بلغتهم أثناء القداس والأناشيد الدينية.
إنقاذ التراث الموسيقي الأرميني
في الحادية عشرة من عمره، أصبح سوغومون سوغومونيان يتيما فانتقل نحو مدينة فاغارشابات (Vagarshapat) الأرمينية لدراسة الغناء الليتورجي بإحدى المدارس الدينية فتخرج عام 1893 وحصل على لقب كوميتاس الذي اقتبس من اسم مؤلف أناشيد دينية أرمينية بالقرن السابع.
في الأثناء، أبدى كوميتاس إعجابا شديدا بالتراث الموسيقي الأرميني فاتجه لتلحين أناشيد أرمينية عقب انتقاله للدراسة ببرلين ما بين عامي 1896 و1899.
وعقب حصوله على درجة الدكتوراه بعلوم الموسيقى وعودته لوطنه أرمينيا، لم يتردد هذا الملحن في البدء بجمع الأناشيد الأرمينية القديمة التي أنشدها الفلاحون والعمال ورجال الدين الأرمن فتمكن من تحصيل الآلاف منها وأدخل بعض التحويرات عليها قبل أن يقود جولة تنقل خلالها بين أشهر قاعات الموسيقى بأوروبا لتقديم أناشيده الأرمينية التي جذبت كل من استمع إليها.
اعتقال كوميتاس
لاحقا، استقر كوميتاس بالقسطنطينية التي تواجد بها حوالي 100 ألف أرميني حينها فأبدى اهتماما شديدا بالأناشيد الكردية والفارسية والتركية واتجه للبحث عن روابط بينها كما أسس جوقة موسيقية أقبل عليها كثير من سكان العاصمة العثمانية.
لكن مع تزايد حدة العداء تجاه الأرمن بالدولة العثمانية وبداية عملية الإبادة، اعتقل كوميتاس يوم 24 أبريل/نيسان 1915 رفقة العديد من الفنانين الأرمن وأرسل نحو منطقة جانقري. وأملا في التخفيف عن زملائه بالسجن، أنشد كوميتاس من داخل زنزانته متحديا الحراس الذين لم يترددوا في الاعتداء عليه أكثر من مرة.
عفو شخصي
وبفضل تدخل من عدد من المثقفين الأتراك والسفير الأميركي هنري مورغنثاو (Henry Morgenthau)، حصل كوميتاس على عفو شخصي من طلعت باشا فنقل نحو أحد مستشفيات القسطنطينية وهو في حالة يرثى لها بسبب معاناته من مشاكل بالأعصاب واضطرابات نفسية فظل هنالك لفترة قبل أن ينقل نحو باريس سنة 1919.
أثرت إبادة الأرمن التي أودت بحياة 1.5 مليون أرميني بشكل واضح على صحة كوميتاس الذي قضى سنوات عدة محاولا إنقاذ التراث الموسيقي الأرميني. وبسبب إبادة شعبه، أسكت العثمانيون كوميتاس للأبد حيث عانى الأخير من اضطرابات نفسية أبعدته عن عالم الموسيقى وأجبرته على دخول مصحة فيلجويف (Villejuif) للأمراض النفسية التي فارق بها الحياة يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر 1935.