في عام 1876، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع أسوأ انتخابات على مر تاريخها. فخلال فترة صعبة من تاريخ البلاد تلت نهاية الحرب الأهلية، التي أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 600 ألف أميركي، وعرفت بعصر إعادة الإعمار، واجه المرشح الجمهوري روثرفورد هايز (Rutherford B. Hayes) نظيره الديمقراطي صامويل تيلدن (Samuel J. Tilden) لخلافة الرئيس المنتهية ولايته يوليسيس جرانت (Ulysses S. Grant) والظفر بمنصب الرئيس التاسع عشر بتاريخ البلاد.
وخلافا لما توقعه كثيرون حينها، جاءت نتائج التصويت لتثير جدلا واسعا عجز على إثره الجميع عن تحديد رئيس للبلاد فهددت بعودة الحرب الأهلية قبل أن تتم لاحقا تصفية مسألة الانتخابات عن طريق اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين أثار استياء كبيرا ولقبه عدد هام من المؤرخين بالاتفاق السيئ الذي أطاح بسمعة انتخابات عام 1876.
مسألة حقوق السود
ومرة أخرى عادت مسألة السود بالولايات المتحدة الأميركية لتثير جدلا واسعا بالبلاد. فعلى الرغم من إجهاض العبودية وتحرير العبيد السابقين، عانى السود من تمييز عنصري واضح ضدهم بالولايات الشمالية حيث لم تتردد المحكمة العليا في الموافقة على إجراءات قلصت من حريتهم ومكانتهم الاجتماعية كما ألغت عام 1873 عقوبة صادرة في حق 3 أشخاص من البيض اتهموا بقتل العشرات من السود بلويزيانا مثيرة بذلك حالة من الاستياء. أما بالجنوب، فقد كان الوضع أكثر سوءا. فخلال تلك الفترة، نشطت العديد من الجمعيات العنصرية، ككو كلوكس كلان، بالولايات الجنوبية وقد طالبت هذه الجمعيات بتكريس سيادة البيض واتجهت لممارسة العنف والإرهاب لإجبار السود على عدم التصويت يوم الانتخابات.
نتائج الانتخابات ومخالفات خطيرة
مع توجههم لصناديق الاقتراع عام 1876، صوت الأميركيون لصالح المرشح الديمقراطي صامويل تيلدن حيث فاز الأخير بالانتخاب المباشر متفوقا على منافسه الجمهوري روثرفورد هايز بحوالي 260 ألف صوت. وبالمجمعات الانتخابية، حصل تيلدن على 184 صوتا متفوقا على هايز الذي نال مبدئيا 165 صوتا بسبب شكوك حول نتائج بعض الولايات.
وانطلاقا من هذه الوضعية، برزت خلافات حادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيث اختلف الجميع حينها حول نتائج ولايات كارولينا الجنوبية ولويزيانا وفلوريدا كما حامت العديد من الشكوك حول أحد ناخبي ولاية أوريغون (Oregon) بالمجمعات الانتخابية. ومع جمعها، مثلت كل هذه الأصوات، المشكوك في صحتها، 20 صوتا بالمجمعات الانتخابية فكانت بذلك كفيلة بقلب موازين الانتخابات وحسمها لصالح هايز.
إلى ذلك، رفض الجمهوريون الهزيمة وأكدوا على وجود مخالفات خطيرة بالانتخابات بكل من كارولينا الجنوبية ولويزيانا وفلوريدا فتحدثوا، حسب شهادات عدة، عن قيام جمعيات وأفراد عنصريين من البيض، محسوبين على الديمقراطيين، بتقديم رشاوى وممارسة العنف الجسدي ضد السود لإجبارهم على عدم التصويت. وبولاية أوريغون، تحدث الجمهوريون عن مخالفة خطيرة أخرى فأكدوا على لجوء حاكم الولاية، المنتمي للحزب الديمقراطي، لتغيير أحد أفراد المجمع الانتخابي عن الولاية بشكل غير قانوني وتعويضه بآخر ذو ميول ديمقراطية.
أزمة لتحديد الرئيس
وأمام هذه الوضعية الصعبة وغير المسبوقة، فضّل الجميع اللجوء للكونغرس فاصطدموا بأزمة جديدة تمثلت في هيمنة الديمقراطيين على مجلس النواب وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. وبسبب عدم قدرتهم على فض الخلاف، وافق الجميع على تشكيل هيئة تكونت من 7 جمهوريين و7 ديمقراطيين وعضو واحد مستقل تمثّل في قاضي المحكمة العليا ديفيد ديفيس (David Davis) لحسم الأزمة واختيار الرئيس.
إلى ذلك، تسبب ديفيد ديفيس في أزمة جديدة حيث عمد هذا القاضي للانسحاب من اللجنة عقب عرض مقعد بمجلس الشيوخ عليه ليجبر على إثر ذلك مسؤولو الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الجلوس لطاولة المفاوضات أملا في إنهاء الخلاف.
اتفاق عام 1877
وانطلاقا من ذلك، ظهر اتفاق عام 1877 السري. وبموجبه، قبل الديمقراطيون بحصول الجمهوري هايز على الرئاسة في مقابل قيام الأخير بسحب القوات الفيدرالية من ولايات لويزيانا وكارولينا الجنوبية وإنهاء تواجدها بهذه المناطق الجنوبية بعد أكثر من 10 سنوات من نهاية الحرب الأهلية. أيضا، وافق هايز على الاعتراف بسلطة حكومات الولايات الجنوبية وقبل بوجود أحد الجنوبيين بحكومته كما وعد الديمقراطيون في المقابل باحترام حقوق السود.
وقد جاء هذه الاتفاق لعام 1877 ليجعل من انتخابات 1876 أسوأ وأغرب انتخابات بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية. فحصل هايز على بقية الأصوات المشكوك فيها بالمجمع الانتخابي وحصد 185 صوتا به متفوقا بصوت واحد عن منافسه تيلدن. ومع التزام الرئيس هايز بوعوده وسحبه للقوات الفيدرالية، نكث الديمقراطيون الجنوبيون بعهدهم فتواصلت حملات اضطهاد السود بالجنوب مكرسة بذلك ظهور نظام الميز العنصري ونهاية حقبة إعادة الإعمار.