خلال الانتخابات النصفية لعام 1894، واجه الحزب الديمقراطي إحدى أسوأ فتراته منذ نشأته عام 1828. فبعد مضي عامين فقط على انتخابات عام 1892 وفوزه بأغلبية ساحقة بمجلس النواب وانتصار مرشحه غروفر كليفلاند (Grover Cleveland) بالانتخابات الرئاسية، شهد الحزب الديمقراطي انهيارا غير مسبوق بسبب عدد من الأزمات التي مرت بها البلاد ليخسر بالانتخابات النصفية أكثر من 100 مقعد بمجلس النواب مجسدا بذلك أكبر تغير سياسي بتاريخ الكونغرس الأميركي.
وقد مثّلت خسارة الكونغرس عام 1894 صفعة قاسية للرئيس الديمقراطي غروفر كليفلاند الذي انتخب رئيسا لأول مرة عام 1884 قبل أن يحصل على المنصب مرة ثانية عام 1894 عقب انتصاره بفارق شاسع بالمجمع الانتخابي على منافسه الجمهوري بنجامين هاريسون (Benjamin Harrison).
انهيار سوق القمح وفشل كليفلاند
وتعود جذور هذا الانهيار التاريخي للحزب الديمقراطي للعديد من العوامل التي كانت أهمها اقتصادية. فأثناء العصر الذهبي (Gilded Age) بأواخر القرن التاسع عشر، شهدت الولايات المتحدة الأميركية نموا اقتصاديا تميّز بارتفاع سعر السلع الأساسية لكن بحلول العام 1893، شهد سوق القمح انهيارا خلّف أزمات بالعديد من الأسواق التجارية المرتبطة به.
إلى ذلك، ارتبط قطاع النقل بشكل وثيق بالمنتجات الفلاحية حيث استغلت العديد من مؤسسات السكك الحديدية عرباتها على مدار العام لنقل منتجات فلاحية كالحبوب والذرة. ومع انهيار هذا القطاع، أجبرت العديد من شركات السكك الحديدية على إعلان افلاسها وتسريح عمالها لتتبعها بذلك حوالي 30 شركة أخرى اختصت في صناعة الصلب والحديد.
ومع استلامه للرئاسة، اتخذ كليفلاند قرارا سيئا حاول من خلاله إقناع الكونغرس بضرورة إلغاء العمل بقانون شيرمان لشراء الفضة (Sherman Silver Purchase Act) ليتسبب في أزمة أخرى شكك خلالها كثيرون في اعتلال الاقتصاد الأميركي وإمكانية انهياره.
وأمام هذا الوضع، أقبل الأميركيون على البنوك لسحب أموالهم خالقين بذلك أزمة بنكية حادة عمد على إثرها عدد كبير من المستثمرين الأوروبيين على بيع أسهمهم بالسوق الأميركية متسببين في انهيار البورصة وتفاقم نسبة البطالة التي بلغت حوالي 19 بالمائة.
إقبال على الحزب الجمهوري
وبسبب عدم قدرة كليفلاند على تغيير هذا الواقع الاقتصادي وفشله في مجاراة الأزمة، فقد كثير من الأميركيين ثقتهم بالحزب الديمقراطي ولجؤوا للبحث عن أحزاب أخرى بديلة قادرة على إنعاش الاقتصاد. وانطلاقا من ذلك، تحوّل الحزب الجمهوري لقبلة الجميع حيث قدّم الأخير معايير جديدة رفضها الديمقراطيون في وقت سابق وتركزت أساسا على الضرائب وقيمة الفضة والعملة وحرب الاستقلال الكوبية التي حبّذ الديمقراطيون الابتعاد عنها واتخاذ موقف الحياد.
أيضا، اضطر الحزب الديمقراطي لمواجهة عدو آخر تمثل في الحزب الشعبي ذي التوجه اليساري الذي اجتمع حوله العديد من الفلاحين والعمال خاصة بغربي وجنوبي البلاد.
انتصار الجمهوريين
وقد جاءت نتائج عام 1894 لتشكل صدمة للحزب الديمقراطي حيث خسر 90 بالمائة من نوابه بمناطق الشمال الشرقي والوسط الغربي بالانتخابات النصفية. ولأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية، تلقى الحزب الديمقراطي صفعة بالولايات الجنوبية التي لطالما هيمن عليها حيث خسر الأخير مقاعده بأربعة ولايات منها.
وعلى حسب إحصائيات تلك الفترة، خسر الديمقراطيون نحو 116 مقعدا بمجلس النواب إضافة لخمسة مقاعد أخرى بمجلس الشيوخ ليفقدوا بذلك الأغلبية بالكونغرس بعد مضي عامين فقط على فوزهم بانتخابات عام 1892. من جهة ثانية، جاءت الانتخابات النصفية لعام 1894 لتغير موازين القوى بالولايات المتحدة الأميركية حيث هيمن الجمهوريون على الكونغرس طيلة الستة عشر عاما القادمة وانتصر مرشحوهم بالانتخابات الرئاسية الأربعة التالية.