على الرغم من سقوط حكم حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، عقب الغزو الأميركي للبلاد، إلا أن الحركة لم تهدأ، بل نفذت هجمات على القوات الأميركية بين الحين والآخر.
وفي تقرير سابق، شرحت "العربية.نت"، ما حصل تماماً منذ انتهاء عهد الشيوعية هناك حتى وصول بن لادن واستيلاء طالبان على الحكم، إلى أن أصبح حامد كرزاي رئيسا مؤقتا للبلاد إثر هزيمة الحركة عام 2004.
أشرف غني
خلال فترة رئاسة كرزاي، أصبحت علاقاته مع الناتو والولايات المتحدة متوترة إلى حد كبير، واتُهم مرارا وتكرارا بالفساد.
وفي عام 2014، فاز عليه مستشاره الأول أشرف غني فسلم المنصب أخيرا معلناً انتهاء ولايته في سبتمبر/أيلول.
أما غني، فكان غادر البنك الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ليعمل في مختلف الشبكات الإخبارية والصحف، وعاد إلى أفغانستان في ديسمبر من ذلك العام.
وفي 1 فبراير 2002، اختاره حامد كرزاي كمستشار أول للرئيس، ثم وزيرا للمالية، ورئيسا لمكتب تنسيق المساعدات الدولية لأفغانستان، لكن لاحقا استقال من الحكومة وأصبح رئيسا لجامعة كابول.
إلى أن عاد للساحة السياسية في انتخابات 2014 الرئاسية، مرشحاً، وفاز بحصوله على 56.44٪ من الأصوات، كما فاز في انتخابات 2018 الرئاسية.
تحسين العلاقات مع الجيران
سعى غني إلى تحسين علاقات أفغانستان مع باكستان تمهيدا لبدء محادثات السلام مع طالبان، وكان أول لقاء له مع باكستان في 14 ديسمبر 2014، حيث التقى برئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف.
وبعد عدة هجمات إرهابية في أفغانستان، وجهت كابول أصابع الاتهام إلى باكستان ففشلت المحادثات بين الجانبين، ليسود توتر شديد، العلاقات.
وعقب هجومين شنتهما شبكة حقاني وطالبان في كابول 2018، وصف غني باكستان بأنها مركز دعم طالبان.
إطلاح سراح عناصر طالبان تمهيداً لاتفاق
منذ بدء عملية السلام الأفغانية في عام 2018، دعت حكومة غني دائما إلى أن تكون المفاوضات مع طالبان، أفغانية- أفغانية، لكن وبسبب ضغط خارجي وخاصة من قبل إدارة دونالد ترمب، أطلق أشرف غني سراح 5000 سجين من الحركة، وذلك بعد اتفاق بين طالبان والولايات المتحدة بغية سحب القوات الأجنبية وتشكيل اللويا جيرغا الاستشارية للسلام في أفغانستان في عام 2019.
وبالرغم من ذلك لم تتوقف هجمات طالبان ضد القوات الحكومية، وفي النهاية غادر أشرف غني البلاد في 15 أغسطس 2021 وانتهت رئاسته، بعد 12 يوما من هجمات طالبان وسيطرتها على المدن قبل الاستيلاء على العاصمة.
تهم فساد
بعدها اتُهم أشرف غني بمعارضته عودة قادة طالبان السابقين إلى ساحة العمل السياسي وأقال العديد من الوزراء غير البشتون من مناصبهم.
كما اتُهمت حكومته بالفساد والفشل في حل المعضلات الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
طالبان إلى الحكم ثانية
بعد الغزو الأميركي الذي أطاح بطالبان عام 2001، أعادت حركة طالبان تنظيم صفوفها، واستأنفت العمل المسلح في 2006 ضد الحكومات الأفغانية المتعاقبة وتسللت إلى أجزاء كبيرة من جنوب أفغانستان، ولا سيما قندهار وهلمند.
ومنذ ذلك الحين، شنت الحركة حربا متواصلة ضد القوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان أيضا.
وكانت المعارك الأخيرة، هجوم كبير شنته الحركة والجماعات المتحالفة معها ضد الحكومة الأفغانية وحلفائها، بدأ في 1 مايو 2021، تزامنا مع بدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ما أدى في نهاية المطاف إلى سيطرة الحركة على البلاد بحكم الأمر الواقع، وعودة إمارة طالبان بعد عقدين من سقوطها الأول.
تقدم مفاجئ وسقوط كابل
بعدها، شنت طالبان هجمات واسعة النطاق في أعقاب اتفاق الدوحة الموقع بين الولايات المتحدة والحركة، ما أدى إلى انسحاب معظم القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان في عام 2021.
ففي المراحل الأولى، تقدمت طالبان إلى المناطق الريفية، وزاد عدد المديريات الخاضعة لسيطرتها من 73 إلى 223 مديرية، وبحلول 10 أغسطس، احتلت طالبان فعلا 65٪ من أفغانستان، حيث من 6 إلى 17 أغسطس، تمكنت قوات طالبان من الاستيلاء على 32 ولاية من أصل 34 ولاية في البلاد.
وفي 15 أغسطس، وصلت طالبان إلى كابل وانتظرت نقل السلطة، إلى أن أعلنت وزارة الداخلية الأفغانية في بيان، أن الرئيس أشرف غني، قرر تسليم السلطة، وأن حكومة مؤقتة سيتم تشكيلها بقيادة طالبان.
كما سلمت القوات الأمنية قاعدة بغرام الجوية إلى حركة طالبان، وتضم القاعدة حوالي 5000 سجين من طالبان وداعش.
وبهذا فاجأت حركة طالبان العالم بتقدمها السريع، دون أي مقاومة تذكر من الجيش الأفغاني المتفوق عليها بالعديد والعدة والتدريب.
معارضة في بنجشير
بعد سقوط كابل، أعلن نائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح نفسه رئيسا مؤقتا لأفغانستان في وادي بنجشير في 17 أغسطس 2021.
وبدأ أعضاء سابقون في التحالف الشمالي والقوات الأخرى المناهضة لطالبان بالتمركز في بنجشير، بقيادة أحمد مسعود ونائب الرئيس السابق أمر الله صالح، بهدف تشكيل جبهة مقاومة ضد الحركة.
ثم أعلنت حركة طالبان في يوم الاثنين 6 سبتمبر وبعد سلسلة من المحاولات، سيطرتها الكاملة على وادي بنجشير، إلا أن "الجبهة الوطنية للمقاومة" أكدت أن الحرب ضد طالبان ستستمرّ.
ومنذ ذلك الحين، تنشر "الجبهة الوطنية للمقاومة" على مواقع التواصل بيانات تؤكد سيطرتها على مواقع استراتيجية في الوادي.
حكومة طالبان لتصريف الأعمال
فيما أعلنت طالبان يوم الثلاثاء 7 سبتمبر، تعيين حكومة تصريف أعمال مكونة في الغالب من قيادات الحركة ومن القومية البشتونية إلا ما ندر، مخلفة بوعد سابق بتشكيل حكومة شاملة تضم كافة أطياف الشعب الأفغاني.
وفوضت الحركة رئاسة "الإمارة" للملا محمد حسن آخوند، بصفته قائما بأعمال رئاسة الوزراء.
أكبر القيادات سناً
والملا محمد حسن أخوند يبلغ من العمر حوالي 65 عاما على الأقل، وحسب مصدر في طالبان كان كشف لوكالة رويترز، أن القائد الجديد كبير جدا في السن، ولعله أكبر قيادات طالبان سنا، وفق قوله.
وكان الملا عمر أخوند، أحد مساعدي مؤسس الحركة الملا عمر، وشغل منصب وزير الخارجية وثم نائبا لرئيس الوزراء خلال حكم طالبان الأول من عام 1996 إلى 2001، وهو خاضع لعقوبات الأمم المتحدة مثله مثل كثيرين في حكومة طالبان الجديدة.
منع الفتيات من التعليم
الجدير ذكره أن الحركة بدأت بتنفيذ أفكارها منذ سيطرت على البلاد، وفي آخر المستجدات أن فتحت حركة طالبان، اليوم السبت، المدارس أمام الطلاب والمعلمين الذكور فقط.
وقد أثار عدم الإشارة إلى الفتيات في بيان الحركة ضجة في الشارع الأفغاني، وأعاد إحياء المخاوف التي لم تهدأ منذ سيطرة الحركة على الحكم ودخولها كابل منتصف الشهر الماضي (أغسطس 2021 ) من أن تفرض طالبان قيودا على الفتيات والنساء.
ويبدو أن طالبان لم تكتفِ بتجاهل الفتيات من ارتياد المدارس، لا بل عمدت أيضاً إلى إلغاء وزارة شؤون المرأة واستبدلتها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في خطوة تذكر أيضا بفترة حكمها الأولى قبل أكثر من عشرين عاما.