أميركا انتخبت في أحلك الأزمات.. الحروب والأوبئة والكساد

منذ أيام قليلة، أشار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عبر تغريدة على تويتر لإمكانية تأجيل موعد الانتخابات المقرر إجراؤها، حسب قوانين الكونغرس، التي تعود لعام 1845 خلال يوم الثلاثاء الذي يلي أول يوم اثنين من شهر تشرن الثاني/نوفمبر. وعلى حسب العديد من الخبراء، يحتاج ترمب، الذي يشغل منصب الرئيس الخامس والأربعين بتاريخ البلاد، لدعم الكونغرس للقيام بذلك، حيث يمتلك الأخير بمجلسيه السلطة التي تخوّل له تأجيل موعد الانتخابات.

وإضافة للوضع الوبائي الحالي لفيروس كوورنا بالولايات المتحدة الأميركية، انتقد الرئيس الأميركي ترمب عملية الانتخاب البريدي مؤكداً على أنها محفوفة بالمخاطر وتحدّث عن سهولة عمليات التزوير مشككا في نزاهة انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ودعا بدلا عن ذلك للتخلي عن هذا الحل وتأجيل الانتخابات، مثيرا بذلك جدلا واسعا، حيث يفوض الدستور الأميركي الكونغرس فقط لاتخاذ مثل هذه الإجراءات زمن الأزمات. ومن جهة ثانية، لم يسبق للولايات المتحدة الأميركية أن قامت بتأجيل الانتخابات الرئاسية بسبب أزمة وطنية، حيث أجريت الانتخابات في موعدها حتى زمن الحرب الأهلية والإنفلونزا الإسبانية والكساد الكبير.

يوم انتخاب موحّد

مع التصديق عليه عام 1788، لم يؤكد الدستور الأميركي على موعد محدد للانتخابات الأميركية إلا أنه أكد في المقابل على تعيين الرئيس اعتماداً على المجمع الانتخابي وفوّض للكونغرس مهمة تحديد زمن اختيار الولايات للناخبين بالمجمع وفترة تقديم الأصوات. وعقب انتخابات 1792، أكد الكونغرس على ضرورة تقديم الناخبين لأصواتهم بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر، ومنح جميع الولايات مهلة زمنية بنحو 34 يوما لتقديم لائحة الناخبين، وبسبب ذلك اتجهت أغلب الولايات لإجراء الانتخابات خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

وقد استمر هذا الأمر لنحو 50 عاما. وبحلول العام 1845، تخوّف الكونغرس من الازدهار الذي حققته مجالات الاتصال والمواصلات حيث أصبح من السهل نقل المعلومات بشكل أسرع بين الولايات. وبسبب اختلاف أيام اختيار الناخبين بالولايات، تحدّث أعضاء الكونغرس عن إمكانية تأثير الولايات التي صوّتت بشكل مبكر على نظيراتها التي لم تصوّت بعد. ولتجنب هذا الأمر، اعتمد الكونغرس قانون اليوم الموحّد للانتخاب، جاعلا من يوم الثلاثاء الذي يلي أول يوم اثنين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر يوما موحدا للانتخاب بجميع أنحاء البلاد.

وقبل الرئيس الحالي ترمب، فكّر عدد آخر من الرؤساء الأميركيين في تأجيل موعد الانتخابات زمن الأزمات. لكن في أي من الحالات لم تؤجل الانتخابات وأجريت في موعدها المحدد. وفي زمن الإنفلونزا الإسبانية، توجّه الأميركيون نحو صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النصفية لعام 1918 وارتدوا الأقنعة الطبية وخضعوا لإجراءات التباعد الإجتماعي التي قيّدت الحملات الانتخابية وأجبرت كثيرا من المترشحين على إلغاء اجتماعاتهم.

وعلى الرغم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة والكوارث الطبيعية العديدة التي حلّت بالبلاد خلال ثلاثينيات القرن الماضي، لم تؤجل الانتخابات الرئاسية الأميركية وأقبل الأهالي على التصويت في الموعد متحملين جميع أنواع المعاناة.

انتخابات الحرب الأهلية والحرب العالمية

وخلال فترة الحرب الأهلية الأميركية، عرض عدد هام من الجمهوريين فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية لعام 1864 إلى ما بعد نهاية الحرب.

وعلى الرغم من العوامل اللوجيستية، تخوّف هؤلاء من إمكانية خسارة أبراهام لنكولن وعدم انتخابه لولاية ثانية وضياع قضية إعادة توحيد البلاد وإجهاض العبودية في حال انتخاب رئيس ديمقراطي.

وأجريت الانتخابات الرئاسية لعام 1864 في موعدها وحقق أبراهام لنكولن فوزا ساحقا على منافسه الديمقراطي جورج ماكليلان (George B. McClellan). وعن هذه الانتخابات التي جرت خلال تشرين الثاني/نوفمبر 1864، أكد لنكولن أنها ضرورية لإثبات دور ومكانة حكومته طيلة السنوات الماضية، كما تحدّث أيضا عن سابقة تاريخية مؤكدا على ذهول العالم من قدرة الولايات المتحدة الأميركية وحكومتها الشعبية على إجراء انتخابات رئاسية في خضم فترة حرب أهلية دامية.

أيضا، لم تثن الحرب العالمية الثانية الأميركيين عن تنظيم الانتخابات في موعدها. فعلى الرغم من مشاركتهم بالصراع على الساحة الأوروبية وساحة المحيط الهادئ، انتخب الأميركيون خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1944 الرئيس فرانكلن روزفلت، الذي تفوق على منافسه توماس إدموند ديوي وفاز بولاية رئاسية رابعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: