على مدار أكثر من 4 سنوات، عاشت الولايات المتحدة الأميركية ما بين عامي 1861 و1865 على وقع أهوال الحرب الأهلية التي انتهت بانتصار جيوش الاتحاد على نظيرتها الكونفدرالية. وتصنف هذه الحرب كأسوأ حرب بتاريخ الأميركيين، حيث أسفرت المعارك بين الشمال والجنوب عن مقتل أكثر من 600 ألف وخلفت أعداداً هائلة من الجرحى.
وبفضل عدد من المصورين من أمثال ماثيو برادي (Mathew B. Brady)، اكتشفت الأجيال التالية جزءاً من أهوال الحرب الأهلية. فأثناء المعارك، رافق هؤلاء المصورون الجنود لساحات القتال والتقطوا عدداً من الصور التي تعتمد ليومنا الحاضر كمرجع لوصف هذه الفترة من التاريخ الأميركي.
أكثر من 10 آلاف صورة
وخلال الحرب الأهلية، تتنقل ماثيو برادي بين جبهات القتال والتقط ما يزيد عن 10 آلاف صورة لمراكز الاعتقال التي وضع بها الأسرى وساحات المعارك. كما قدم صوراً مذهلة لضحايا معركة أنتياتم (Antietam) المصنفة كإحدى أهم المعارك الدامية بتاريخ البلاد. فأثناء هذه الملحمة التي وضعت الشماليين والجنوبيين وجهاً لوجه يوم 17 سبتمبر 1862 قرب شاربسبورغ (Sharpsburg)، سقط نحو 22700 أميركي بين قتيل وجريح.
إلى ذلك، اتجه عدد آخر من المصورين لمرافقة الجنود والتقطوا صوراً منذ مطلع الحرب لأهوال الحياة على الجبهات. وحسب العديد من المصادر، تنقل مصوران مع القوات الكونفدرالية والتقطا صوراً لعملية قصف فورت سمتر (Fort Sumter)، خلال شهر أبريل 1861، التي مثلت بداية الحرب الأهلية الأميركية.
وفي خضم حملة شبه الجزيرة خلال شهر يونيو عام 1862، التقط مساعد برادي جيمس غيبسون (James Gibson) صوراً لجنود الاتحاد الجرحى. وقد انتظر برادي ورفاقه حينها معركة أنتياتم ليتمكنوا لأول مرة من التقاط صور لجثث متناثرة على إحدى جبهات القتال.
أولى صور الجثث
ويوم 19 سبتمبر 1862، غادر الجنرال الكونفدرالي روبرت لي (Robert E. Lee) ساحة معركة أنتياتم تاركاً المكان لقوات الاتحاد. وعلى إثر ذلك، حل المصور ألكسندر غاردنر (Alexander Gardner)، الذي أصبح فيما بعد مدير قاعة عرض برادي بواشنطن، بساحة القتال ليلتقط أولى الصور التي أظهرت أساساً طريقاً غارقاً بالطين ومياه الأمطار وخندقاً عجّ بجثث جنود الكونفدرالية.
وخلال شهر أكتوبر 1862، افتتحت بنيويورك قاعة لعرض الصور التي التقطت من قبل ماثيو برادي ورفاقه بساحات المعارك. وبإحدى أماكن العرض، وضعت لوحة كتبت عليها عبارات موتى أنتياتم. ووفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز حينها، ازدحمت الجماهير أمام مكان عرض صور الجنود الموتى، حيث أقبل الجميع حينها لمشاهدة صور الجثث الملطخة بالدماء والتأمل في وجوه من فارقوا الحياة أثناء المعركة.
إلى ذلك، التقط ماثيو برادي ورفاقه هذه الصور لأغراض مادية. فخلال تلك الفترة، كان هؤلاء المصورون على دراية مطلقة بالقيمة التاريخية والمالية الهامة لمثل هذه الصور التي قد تدر عليهم أرباحاً هائلة. وطبعت هذه الصور على بطاقات وبيعت لعامة الناس، حيث بلغت قيمة البطاقة الواحة 50 سنتاً أي ما يعادل 10.67 دولار عام 2020.