خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت استسلام ألمانيا ونهاية الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية، شهد بحر البلطيق العديد من الكوارث البحرية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص الفارين من ويلات الجيش الأحمر السوفيتي. فخلال تلك الفترة، انتشرت الأخبار حول قيام الجنود السوفيت بأعمال انتقامية تراوحت بين الإعدام والاغتصاب. وعلى حسب عدد من الإحصائيات، تعرضت حوالي مليوني امرأة ألمانية للاغتصاب عقب سقوط برلين.
وأمام التقدم السوفيتي، عمد عدد هام من الألمان ممن قطنوا ببروسيا الشرقية لركوب السفن أملا في عبور البلطيق وبلوغ الدنمارك أو السويد. وبينما تمكّن البعض من تحقيق هدفه ببلوغ برّ الأمان، فقد عشرات الآلاف أرواحهم عقب قيام البوارج والغواصات والطائرات السوفيتية والبريطانية باستهدافهم بعرض البحر.
استولت عليها الكريغسمارينه
وإضافة لمأساتي السفينتين غويا (Goya) وفيلهلم غوستلوف (Wilhelm Gustloff)، عرفت السفينة الألمانية كاب أركونا (Cap Arcona) نهاية مأسوية يوم 3 مايو 1945 حيث غاصت الأخيرة نحو الأعماق ساحبة معها آلاف الأشخاص.
إلى ذلك، دخلت هذه السفينة، البالغ وزنها 27561 طنا، الخدمة خلال العام 1927. وقد مثلت كاب أركونا حينها فخر الصناعة الألمانية واعتبرت واحدة من أجمل وأفضل السفن بتلك الفترة. في الأثناء، قادت هذه السفينة العديد من الرحلات عبر المحيط الأطلسي بين ألمانيا وجنوب القارة الأميركية كما لعبت دورا هاما في تسهيل حركة المهاجرين بين القارتين الأوروبية والأميركية.
مع بداية الحرب العالمية الثانية، استولت الكريغسمارينه (Kriegsmarine)، أي سلاح البحرية الألماني، على هذه السفينة المدنية التي سرعان ما تحوّلت للخدمة العسكرية وخصصت أساسا لتسهيل حركة تنقل الجنود.
ومع اقتراب نهاية النزاع بالقارة الأوروبية، لم تتردد الكريغسمارينه في استغلال كاب أركونا ضمن عملية حنّبعل (Hannibal) لإجلاء الألمان من شرق بروسيا نحو الغرب الألماني. وبناء على مصادر تلك الفترة، سهّلت كاب أركونا عملية نقل ما يزيد عن 25 ألف جندي ومدني ألماني حينها. فضلا عن ذلك، أقدم قائد هذه السفينة الأميرال يوهان غيرتز (Johannes Gertz) يوم 20 فبراير 1945 على الانتحار عن طريق إطلاق النار على نفسه بكوبنهاغن بسبب الضغط الكبير الذي واجهه أثناء عملية الإجلاء.
8 آلاف قتيل
أواخر شهر أبريل 1945، نظّم الألمان، بناء على أوامر من قائد فرق الأس أس هنريش هملر، عملية لنقل عشرات الآلاف من المعتقلين داخل مراكز اعتقال نوينغام (Neuengamme) وستوتهوف (Stutthof) وميتلباو دورا (Mittelbau-Dora) عبر خليج لوبيك نحو مناطق أخرى آمنة لتجنب وقوع أسرى الحرب في قبضة الجيش الأحمر السوفيتي.
ولإنجاح هذه المهمة، اعتمد الألمان حينها على سفن كاب أركونا وأس أس دوتشلاند (SS Deutschland)، أو أس أس ألمانيا، وتيلباك (Thielbek).
يوم 2 مايو 1945، دخلت القوات البريطانية منطقتي لوبيك وويسمار (Wismar). وهنالك، أطلع الألمان البريطانيين حول وجود سفن تقل آلاف الأسرى واللاجئين بالبلطيق.
يوم 3 مايو 1945، هاجمت طائرات بريطانية هاوكر تيفون (Hawker Typhoon) السفن الألمانية واستهدفتها بقنابل شديدة الانفجار بلغ وزن بعضها 500 كلغ. وفي خضم هذا القصف، آمن البريطانيون بقيام الألمان بنقل جنود على متن هذه السفن.
إلى ذلك، أسفر هذا القصف عن خراب السفن الثلاث وغرقها نحو قاع البلطيق. وبناء على عدد من مصادر تلك الفترة، أسفر هذا القصف عن مقتل نحو 8 آلاف شخص، من نحو 30 جنسية مختلفة، ممن عانوا على مدار سنوات بمراكز الاعتقال الألمانية.