أواخر الخمسينيات.. كادت برلين أن تتسبب بحرب أميركية سوفيتية

خلال خمسينيات القرن الماضي، شهدت حدة التوتر بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية ارتفاعا غير مسبوق بسبب العديد من الأزمات التي هددت بإمكانية نشوب نزاع عالمي جديد.

فأثناء الحرب الكورية، تابع العالم عن كثب تدخل القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بشكل مباشر ضد كوريا الشمالية، المدعومة من قبل الإتحاد السوفيتي، عقب اجتياحها لجارتها الجنوبية. فضلا عن ذلك، جاءت بداية حرب فيتنام والثورة الكوبية، تزامنا مع صعود نيكيتا خروتشوف، لتزيد الطين بلة وتأجج الصراع الأميركي السوفيتي.

خلاف بسبب ألمانيا

إلى ذلك، لعبت العاصمة الألمانية برلين دورا بارزا في تأجيج الخلاف بين المعسكرين الشرقي والغربي. فمع توحيدهم لمناطق نفوذهم ببرلين، حصل الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون على نقطة متقدمة بعمق أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي كانت قابعة تحت النفوذ السوفيتي.

فضلا عن ذلك، مثلت عملية الهجرة من ألمانيا الشرقية نحو ألمانيا الغربية تحديا كبيرا للسوفيت الذين تخوفوا من إمكانية انهيار جمهورية ألمانيا الشرقية بسبب انتشار الفقر والمشاكل الاجتماعية والرقابة الأمنية الصارمة بها.

فما بين عامي 1950 و1953، هاجر نحو 800 ألف من سكان ألمانيا الشرقية نحو الجارة الغربية عبر الحدود. وفي الأثناء، مثلت هجرة الأدمغة أكثر شيء أقلق الإتحاد السوفيتي حيث فضّل المهندسون والأطباء وأصحاب الخبرة المهنية التنقل نحو جمهورية ألمانيا الإتحادية، القابعة تحت النفوذ الغربي، أملا في تحسين ظروفهم المعيشية.

عام 1953، أغلقت رسميا الحدود بين القسمين الشرقي والغربي من ألمانيا. وبعدها بعامين فقط، وافق الكرملين على نقل مهمة تأمين مداخل برلين لقوات حرس حدود ألمانيا الشرقية التي باشرت بوضع برامج لمنع الهجرة وتجريمها.

أزمة حول مستقبل برلين

وفي ظل هذه الظروف، حصل نيكيتا خروتشوف عام 1958 على السلطة المطلقة بالإتحاد السوفيتي الذي اتجه لقطع مع السياسة الستالينية. إلى ذلك، عبّر خروتشوف منذ وصوله لسدة الحكم عن عميق قلقه من قيام الأميركيين بوضع أسلحة نووية بألمانيا الغربية وتهديدهم للمعسكر الشرقي. كما استاء من تواجد مناطق نفوذ غربية، أي القسم القابع تحت نفوذ الغرب من برلين، بعمق جمهورية ألمانيا الديمقراطية واتجه لوصف برلين الغربية بالورم السرطاني الذي يجب استئصاله.

مستغلا النجاح الذي حققه برنامج سبوتنيك (Spoutnik)، آمن خروتشوف بالتفوق العسكري السوفيتي على الولايات المتحدة الأميركية. ولهذا السبب، طالب القائد الجديد للاتحاد السوفيتي دول المعسكر الغربي بعقد اتفاقية مع الجانب السوفيتي حول مستقبل برلين قبل أن يعمد خلال عام 1958 لإرسال إنذار للأميركيين وحلفائهم مطالبا إياهم بمغادرة القسم الخاضع لسيطرتهم من برلين خلال فترة لا تتعدى 6 أشهر وتحويل العاصمة السابقة لألمانيا الموحدة لمدينة منزوعة السلاح.

وعلى الرغم من عدم وجود أية قيمة مادية وعسكرية تذكر لإمتلاكهم لإحدى المناطق بعمق أراضي ألمانيا الشرقية، رفض الحلفاء الغربيون المقترح السوفيتي وتشبثوا بالحفاظ على مناطق نفوذهم ببرلين مطالبين الإتحاد السوفيتي بإنهاء سياسة إغلاق المعابر. فضلا عن ذلك، تحدّث المسؤولون الأميركيون عن وجود قيمة رمزية لغرب برلين واتجهوا لتشبيهها بالشوكة بحلق الإتحاد السوفيتي.

وأمام تزايد حدة التوتر بين المعسكرين الشرقي والغربي حول برلين، شكّل الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون خلية عسكرية سرية للتشاور حول سبل الرد على أي اعتداء سوفيتي محتمل على غرب برلين.

ولحل هذا الخلاف، التقى الرئيس الأميركي أيزنهاور بنظيره السوفيتي خروتشوف بكامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية. وعقب جملة من المشاورات، اتفق الطرفان على ضرورة إيجاد لحل لمسألة برلين وإنهاء حالة التسلح الغير مسبوقة بالمنطقة.

وبعد مفاوضات بناءة، اتفق الطرفان على مواصلة هذا الحوار بقمة باريس خلال شهر أيار/مايو 1960. إلى ذلك، جاءت أزمة طائرة التجسس الأميركية يو 2 لتلغي المفاوضات وتزيد من حدة بين الأميركيين والسوفيت.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: