مع تنازل القيصر الروسي، نيقولا الثاني، عن السلطة مطلع شهر مارس 1917 وتشكيل الحكومة المؤقتة بقيادة ألكسندر كيرينسكي (Alexander Kerensky)، ارتفعت بروسيا الأصوات المطالبة بإجراء انتخابات عامة بالبلاد لانتخاب هيئة دستورية، حملت اسم الجمعية التأسيسية الروسية، شبيهة بتلك التي ظهرت بفرنسا أثناء المراحل الأولى من الثورة الفرنسية عام 1789.
سبّاقة في مجال الحريات قبل البلشفيين
وبينما طالب البلشفيون بانتخابات فورية لحسم ملف السلطة والدستور، فضّل العديد من الأحزاب وعلى رأسها الحزب الاشتراكي الثوري التريث وتأجيل الانتخابات لما بعد موسم الحصاد أملا في عدم إلهاء الفلاحين عن عملهم والحفاظ على المحاصيل الروسية وإنقاذ البلاد من شبح المجاعة الذي خيم عليها بسبب مشاركتها بالحرب العالمية الأولى.
من جانب آخر، كانت روسيا ما بعد ثورة فبراير 1917 سبّاقة في مجال الحريات الممنوحة للمرأة. فبداية من شهر مارس 1917، تظاهرت عشرات الآلاف من النساء ببيتروغراد (Petrograd) وطالبن بالمساواة مع الرجل والحصول على حق الانتخاب. وعقب قرار صادر خلال شهر يوليو من نفس السنة، حصلت المرأة الروسية التي تجاوز عمرها العشرين عاما على حق الانتخاب لتسبق بذلك روسيا كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في هذا المجال.
من جهة ثانية، اجتمعت مختلف الأحزاب الروسية خلال شهر مايو 1917 واتفقوا على إجراء الانتخابات خلال شهر سبتمبر المقبل قبل أن يضطروا لتأجيلها شهرين إضافيين. وفي الأثناء، اهتزت روسيا مجددا خلال شهر نوفمبر 1917 على وقع ثورة ثانية عرفت بالثورة البلشفية، أو ثورة أكتوبر حسب التقويم الروسي المعتمد حينها، أسفرت عن إزاحة الحكومة المؤقتة وصعود فلاديمير لينين ورفاقه. والتزاما بما اتفق عليه سابقا، وافق البلشفيون على إجراء الانتخابات لإنشاء جمعية تأسيسية.
الانتخابات والأحزاب
وقد انطلقت عمليات الانتخاب بروسيا يوم 12 نوفمبر 1917 واستمرت لأسابيع عدة لتغطي معظم الأراضي الروسية، حيث أجبرت بعض الأقاليم لإجراء الانتخابات خلال شهر ديسمبر بينما استغرق الأمر مطلع يناير 1918 بعدد من المناطق النائية. وعلى حسب العديد من المصادر المعاصرة بلغ عدد الروس الذين أدلوا بأصواتهم نحو 47 مليون شخص ضمن واحدة من أكبر العمليات الانتخابية خلال تلك الفترة وقد تجمّع الروس حينها لاختيار مرشحيهم المنتمين لأحزاب عدّة كان أهمها الحزب الاشتراكي الثوري والحزب الشيوعي، الذي مثّل البلشفيين بقيادة لينين، والحزب الاشتراكي الثوري الأوكراني والحزب الدستوري الديمقراطي وحزب المنشفيك (Menshevik).
نتائج مخيبة للينين وحل المجلس
وعلى الرغم من تزعمهم للثورة البلشفية وإزاحتهم للحكومة المؤقتة وهيمنتهم على الحكومة الجديدة، صدم البلشفيون عند صدور نتائج الانتخابات حيث فشل لينين ورفاقه في كسب تأييد الشعب. ومن ضمن 767 مقعدا بالجمعية التأسيسية، حصل البلشفيون على 183 مقعدا فقط ونالوا نحو 10.5 مليون صوت بالإقتراع الشعبي بينما حلّ الحزب الاشتراكي الثوري بقيادة فكتور تشيرنوف (Victor Chernov) في الصدارة فحصل على الأغلبية كاسبا 324 مقعدا بالجمعية التأسيسية وأكثر من 17 مليون صوت بالانتخاب المباشر.
وخلال أولى الجلسات، اختارت الجمعية التأسيسية تشيرنوف رئيسا لها. ومن خلال أولى تصريحاته، أيد الأخير أغلب إصلاحات البلشفيين وعارض بشكل قاطع سياستهم الخارجية الرامية للقبول بشروط سلام مذلة مع الألمان للخروج من الحرب العالمية الأولى. وأثناء الجلسات القليلة للمجلس، كان لينين حاضرا بين النواب وضل في أغلب الأوقات مبتسما ودون بعض الكلمات بورقة كما تحدث البعض أيضا عن تظاهره أحيانا بالنوم أثناء الاجتماعات والنقاشات.
في الأثناء، لم تدم فرحة الروس بالجمعية التأسيسية طويلا. فبعد اجتماعات قيل إنها استغرقت في مجملها 13 ساعة فقط، أمر لينين بحل هذه الهيئة، بعد أن اجتاح مقرها بقوات موالية له، ووجه لها تهما باستغلال الشعب لمصالحها. لاحقا، واصل لينين سياسته الشمولية فعمد لحل جميع الأحزاب ومنعها جاعلا بذلك روسيا تحت إمرة حزب واحد تمثل في الحزب الشيوعي.