خلال القرن العشرين، تحوّل الفرنسي غراشيوس بابيوف (Gracchus Babeuf)، الذي عاش بالقرن الثامن عشر، لأيقونة بالاتحاد السوفيتي الذي ظهر عقب رحيل النظام القيصري ونجاح الثورة البلشفية.
وبالمدارس السوفيتية، صنّف غراشيوس بابيوف، رفقة ماكسيمليان روبسبيار، كأحد أشهر الثوار بالقرون المنقضية. فقبل ظهور كل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز وفلاديمير لينين، حمل هذا الرجل الفرنسي أفكارا ثورية، بالنسبة لفترته، قادته نحو المقصلة وجعلت منه، حسب كثيرين، أول منظر للشيوعية بالعالم.
إجهاض الملكية الفردية
إلى ذلك، ولد فرانسوا بابيوف، الذي انتقى لنفسه لاحقا اسم غراشيوس نسبة لبطل روما تايبيريوس غراشيوس (Tiberius Gracchus)، يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1760 بمنطقة سانت كنتان (Saint-Quentin). وأثناء فترة عمله في مجال مسح الأراضي، لاحظ بابيوف غياب العدل في مجال توزيع الأراضي بين الفرنسيين أثناء عهد الملكية حيث حصل النبلاء، الذين مثّلوا نحو 3 بالمائة من الشعب الفرنسي، على النسبة الساحقة من الأراضي مقارنة ببقية الفرنسيين.
مع بداية أحداث الثورة الفرنسية التي استمرت بين عامي 1789 و1799، عيّن غراشيوس بابيوف مسؤولا إداريا بمنطقة السوم (Somme). وهنالك، حضّر الأخير مشروعا لإجهاض الملكية الفردية ظلّ طيّ الكتمان قبل أن يعاود الظهور مجددا أثناء فترة حكومة المديرين ما بين عامي 1795 و1799.
أعدم بالمقصلة
مع سقوط روبسبيار عام 1794، تخلى الأثرياء الجدد والفقراء بفرنسا عن الحياة السياسية. فبينما فضّل الشقّ الأول التمتع بالثروات والخيرات التي جمعوها على مدار سنوات، فضّل الشق الآخر التحسّر على فترة الإرهاب الثوري التي قادها ماكسيمليان روبسبيار وأسفرت عن إرسال عشرات الآلاف من الفرنسيين نحو المقصلة.
ووسط هذه الأجواء، عاشت فرنسا على وقع فترة مضطربة حيث عانى الاقتصاد من ويلات الحرب المستعرة التي اندلعت عقب اندلاع الثورة عام 1789. فضلا عن ذلك، فقدت الأوراق النقدية الفرنسية قيمتها بالسوق وواجهت خزينة الدولة خطر الإفلاس بسبب عجز المسؤولين عن جمع الضرائب.
وأمام هذا الوضع السيئ الذي عاشت على وقعه البلاد، التف الثوريون الفرنسيون حول شخصية غراشيوس بابيوف وروبرت لينديت (Robert Lindet) الذي كان عضوا سابقا بنادي اليعاقبة. وباسم بابيوف، نشر سيلفان مارشال (Sylvain Maréchal) بيان المساواة الذي طالب بالعدل الاجتماعي وإرساء قوانين المساواة بين جميع شرائح المجتمع وحرّض على اعتماد الأناركية والعنف لبلوغ سدة الحكم مؤكدا على فشل الديمقراطية وأصوات الشعب في تحسين المجتمع وإصلاحه.
وخلال ربيع عام 1796، عرض أنصار بابيوف خطة لقلب نظام الحكم بفرنسا عن طريق إسقاط حكومة المديرين وإعادة العمل بدستور عام 1793.
أمام هذا الوضع، قررت حكومة المديرين التحرّك. وقد أمر السياسي لازار كارنو (Lazare Carnot) حينها قوات الشرطة بإجهاض هذا التمرد. واعتمادا على وشاية عدد من المخبرين، تمكّنت قوات الأمن الفرنسية يوم 10 أيار/مايو 1796 من اعتقال أبرز منظمي هذه الحركة التمردية.
عقب محاكمة استمرت لأكثر من 3 أشهر، نال غراشيوس بابيوف يوم 20 أيار/مايو 1797 حكما بالإعدام. ومع سماعه لقرار إعدامه، عمد بابيوف، داخل قاعة المحكمة، لسحب خنجره قبل أن يوجه لنفسه طعنات عديدة أملا في وضع حد لحياته بشكل مبكر وتجنب الإهانة على منصة الإعدام.
إلى ذلك، فشل هذا الرجل الذي اعتبر أول منظر للشيوعية في الانتحار فاقتيد على جناح السرعة خارج قاعة المحكمة قبل أن يعدم بعد بضعة أيام بالمقصلة وهو في السادسة والثلاثين من العمر.