ما بين شهري مارس 1697 وأغسطس 1698، قاد القيصر الروسي بطرس الأكبر رحلة السفارة الكبرى التي تنكّر خلالها ليجوب رفقة عدد من مساعديه العديد من عواصم أوروبا الغربية ويطلع عن كثب على شكل الحياة بها. وأثناء السفارة الكبرى، لاحظ القيصر الروسي التخلف الكبير الذي عاشت على وقعه موسكو مقارنة ببقية مدن أوروبا الغربية. ومع عودته لوطنه، اتجه بطرس الأكبر لتحديث روسيا عن طريق جملة من الإصلاحات العسكرية والثقافية والاقتصادية.
وأثناء زيارته لأوروبا الغربية، لاحظ بطرس الأكبر امتلاك أغلب الملوك والأباطرة لعبيد وخدم أفارقة بقصورهم. وأملا في الاقتداء بهم، حاول القيصر الروسي شراء عدد من العبيد الأفارقة ليقع فيما بعد على أبرام بيتروفيتش حنبعل (Abram Petrovich Hannibal) الذي حلّ بروسيا ليؤثر بشكل فاعل في تاريخها.
مرافق شخصي للقيصر
وإلى يومنا الحاضر، لاتزال أصول أبرام حنبعل مجهولة. فبينما تحدّث البعض عن أصول إثيوبية، أكّد عدد من المؤرخين على انحداره من المناطق الواقعة جنوب بحيرة التشاد الواقعة بالكاميرون حاليا. وفي السابعة من العمر، اختطف أبرام وبيع كعبد بالقسطنطينية لصالح العثمانيين في حدود العام 1703 قبل أن ينقل فيما بعد لقصر السلطان أحمد الثالث.
وعقب قضائه لنحو عام بالقسطنطينية، انتقل أبرام حنبعل لروسيا رفقة مبعوث السفير الروسي سافا فلاديسلافيتش (Savva Vladislavitch). ومع حلوله بموسكو، أحسن القيصر الروسي بطرس الأكبر معاملة أبرام واتجه لتوفير تعليم جيد له. ومن خلال ذلك، حاول القيصر الروسي القطع مع النظرة الأوروبية الغربية الموجهة ضد السود، مؤكدا على إمكانية ادماج أبرام بالمجتمع الروسي عن طريق توفير تعليم جيد له.
يوم 13 يوليو 1705، أمر بطرس الأكبر بتعميد هذا الطفل الإفريقي البالغ من العمر نحو 9 سنوات واتجه حينها لمنحه اسم بيوتر بتروف بتروفيتش (Piotr Petrov Petrovitch) إلا أن الطفل رفض ذلك مؤكدا على رغبته في اعتماد اسم أبرام.
ومع تعلّمه القراءة والكتابة، أصبح أبرام الإفريقي مرافقا للقيصر الروسي حيث تنقل هذا الفتى مع بطرس الأكبر ودوّن العديد من أقواله وأفكاره.
أشهر شاعر بتاريخ روسيا
عام 1717، أرسل بطرس الأكبر مساعده الإفريقي أبرام لفرنسا أين درس الأخير حينها بإحدى المدارس الحربية وتعلّم الرياضيات والهندسة. وتزامنا مع مروره بفرنسا، قرأ أبرام الكثير عن الثقافة الفرنسية وتعرّف على العديد من وجوه فترة الأنوار كما اتجه أيضا لإضافة اسم حنبعل لاسمه بعد إعجابه بسيرة وإنجازات القائد القرطاجي حنبعل برقا.
مع عودته لروسيا، أصبح أبرام حنبعل سكرتيرا خاصا لدى القيصر الروسي وأوكلت إليه مهمة الإشراف على إنشاء الحصون العسكرية.
مع وفاة بطرس الأكبر، نفي أبرام نحو سيبيريا لسنوات. وقد انتظر الأخير اعتلاء إليزابيث بتروفنا (Elizabeth Petrovna) سدة الحكم عام 1741 ليعود مجددا لنشاطاته السابقة ويحصل على رتبة جنرال بالجيش الروسي.
وإضافة لمساهمته في تحسين العلاقات الفرنسية الروسية، حصل أبرام حنبعل على رتبة حاكم منطقة تالين (Tallinn) ونال ترقيات جعلته واحدا من أهم الشخصيات العسكرية بروسيا خلال تلك الفترة. أثناء مسيرته بروسيا، رزق أبرام حنبعل بـ11 طفلا كان من ضمنهم أوسيب حنبعل (Osip Hannibal) جد أشهر شاعر بتاريخ روسيا ألكسندر بوشكين (Alexander Pushkin) الذي لطالما افتخر بأصوله الأفريقية.