لا تزال ابنة اليمن الحزين تشعل شمعة سلام في ظلام الحروب، التي أكلت الحدود والقلوب في بلدان أنهكتها الصراعات والفتن من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، إيمي هيتاري، الشابة الصغيرة التي تقود جيشاً فتياً قوامه مليون نبض عربي من عشاق الأنمي، باتوا مسحورين بصوتها وشدوها الطفولي الذي يشبه أحلامهم، ويواكب همومهم الكبيرة في زمن الجائحة.
إيمي تراهن على جيشها للانتصار على صوت الرصاص، ومواجهة الدبابات بأدائها العفوي العذب الذي يشكل قوة جامحة على ساحات سوشيال ميديا، فعلى إيقاع أغنيتها الشهيرة "أكاذيب" تحاكي كل الآلام العربية، وتشيد بصوتها أوطاناً فاضلة بلا ألم.
تحرير رسالة سلام ضد أيدلوجيات العنف والدم
إيمي يوسف أحمد محمد يحيى آل الهِتار، المعروفة باسم إيمي هيتاري، تذرف شجنها العذب لتزرع نشيداً للأمل يتصدى لكل أيدلوجيات العنف والدم، تحرر رسالة محبة إلى الإنسانية، تلملم شظايا حزنها المهدم من تحت الركام، تبلسم الجروح كلها، لتطوي صفحة المآتم السوداء من ذاكرة جيل بكامله، جيل قوامه مليون متابع على منصاتها الاجتماعية، جيل من النشء والمراهقين الذين يتربص بهم الموت، قاطفاً أرواح أحبائهم أمام أعينهم دون رحمة، جيل الألفية الثالثة الذي قرر مواجهة فوهات الدبابات بأغنيات شارات الكارتون "الإنمي"..
أغنيات كسرت الحصار وهزت مشاعر الملايين
إيمي 30 عاماً، تمتلك أكثر من 30 أغنية إنمي مدبلجة صنعت ذائقة عربية جديدة منحازة إلى قيم الحب والخير والتعايش والتسامح، غزلتها من خيوط إحساسها الآسر والساحر، فمن داخل استديو بسيط عازل للصوت داخل غرفتها في مدينة عدن جنوب اليمن، وبواسطة مايك وفلتر بوب صنعته بنفسها، فجرت إيمي شهقتها الأولى عام 2013 بأغنية كورية هي "غفوة"، ثم توالت بعدها الإصدارات والألبومات التي سطرت مشاعر الملايين من النشء والمراهقين، وكسرت أغنياتها تابوهات الحصار وحطمت الأسوار ولامست قلوب كل الشعوب، ليصبح صوتها اليوم وطناً لكل يتامى الحروب وأطفال الأزمات وأبناء الفقر والقهر الذين خذلتهم الظروف وحكمت عليهم بالفقدان.
"أكاذيب" تلد فقراء ويتامي وأغنية تتلمس الجروح بضمادة وبلسم
تغني إيمي بالفصحى، فتحصد أغنياتها مشاهدات بالملايين من أصقاع البلاد العربية، فلا تزال أغنيتها "أكاذيب" تلامس أوطان جاثمة تحت النزيف، تقدم صوتها ضمادة وبلسماً، تثير مشاعر وتحرك شجوناً لا تنتهي، تواسي الآم الشعوب العربية كلها بأغنية واحدة، تغزل من نشيجها آهة كبيرة، توزعها على بلدان الصراعات والنزاعات الملتهبة، مستجوبة بأنينها اليمني حروباً ولدت فقراء ويتامى ومشردين يعيشون نصف حياة ونصف موت في أوطان متشظية.
بلد يسمى وادياً للسلام وآخر لم ير السعادة
لا يختلف اثنان أن الأمان أصبح كذبة في بعض البلدان العربية، لكن في صوت إيمي فإن السلام فعل حقيقي، حيث تردد إيمي كلمات أغنيتها "أكاذيب" تتضمن وعوداً من رماد، وآمالاً مسكنة لدراما المعارك، تصفها كما عنوان أغنيتها بـ "أكاذيب" يقترفها صانعو القرار يستمرون في ترويجها كل يوم إلى العالم. فمن العراق الجريح، الذي يلقب بوادي السلام من دون أن يرى السلام، ومن اليمن السعيد الذي لم يرَ السعادة منذ عقود، يتصاعد القهر ويعلو صوت إيمي ليصنع ترانيم سلام عابرة للجغرافيا.
ماذا يعني صوت إيمي في وجدان مليون شاب عربي
في تعليقات على فيديو أغنية "أكاذيب" التي حققت قرابة نصف مليون مشاهدة على يوتيوب، رصدت "العربية.نت" بعض تعليقات جمهور إيمي، التي وحدت الآلام العربية بصوتها، عبر أحدهم "عندما أسمعك أشعر بالقشعريرة، لقد جسدت آلامنا بأغنياتك. كثيرون يصفون صوتها بأنه يحفر ثقباً كبيراً في القلب، ويضيف شاب جزائري: "أشعر بالتعافي حين تغنين، صوتك يذكرني بكل شيء جميل فقدته.
وتتنوع المشاعر وتتباين الانطباعات: "أنت فخر كل اليمنيين"، صوتك يمنحني الأمان، الإدمان الوحيد الذي لا أريد أن أشفى منه أبداً هو إدمان صوتك يا إيمي. وآخر بسبب صوتها يردد: "أشعر أنني أنتمي إلى الإنمي أكثر من الواقع"، أغنيتك صرخة مدوية في وجه الحرب، تجسد واقعا حزيناً يعيشه اليمن وسوريا ولبنان والعراق". جميعهم تئن بداخلهم أمنية واحدة، أن تزول هذه الأكاذيب، وينجو العالم العربي مما لحق به من دمار".
متى يأتي الأمان وتشفى الأوطان من جراحها؟
يقول شاب فلسطيني: "أهل اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان وكل الدول العربية حالنا لا يعلمه إلا الله لكن لا تقلقوا لن ينسانا الله أبداً". ويضيف آخر عشرونَ عاماً، وأنا أبحثُ عن أرضٍ وعن هويّة أبحثُ عن بيتي الذي هناك عن وطني المحاطِ بالأسلاك أبحثُ عن طفولتي.. وعن رفاقِ حارتي.. عن كتبي.. عن صوري.. عن كلِّ ركنٍ دافئٍ.. وكلِّ مزهريّة".
ويعبر آخر: "كل بلاد العرب أوطاني، في كل واحدة أملك جزءا مكسورا مفقودا تاه في حرب ما وهنا في داخل هذا القلب المهترئ يوجد الكثير من الدمار، الكثير من الحقد، كل بلاد العرب أوطاني مع ذلك أبحث عن وطن يحتضنني لا يكون عربياً، أبحث عن وطن أوروبي ألتقي فيه عربياً !! كل بلاد العرب أوطاني ولا أبصر وطناً حنوناً واحداً، لا ألمح وطناً متكاملاً سعيداً".
من العراق يصرخ شاب، متى ينتهي هذا البؤس، ويتساءل: "لماذا خسرت عائلتي بسبب انفجارات ومؤامرات، ومتى يأتي الأمان لبلدي العراق".
ويقترح معلقون ترجمة هذه الأغنية إلى لغات عدة كونها تحمل رسالة إنسانية مهمة يتوجب إيصالها إلى محتمعات العالم كافة، يضيف آخر: "طوال سماعي للأغنية، وأنا أبكي، وعيناي لا تتوقفان عن ذرف الدموع".
تنتحب فتاة سورية قائلة "بلدي لم يشهد انفجارات ونزوحا بالملايين فقط، بل كان فيه تعذيب لا يمت للآدمية بصلة".
وهذا ليبي يوقع حزنه على بلده: "بلدي التهمته حروب وصراعات مدمرة لكن عندما أستمع إلى أغنياتك أبتهج". وشاب عربي آخر، يهدهد الجروح، معبراً: "ستشفى الأوطان من جراحها وستعود الأرض إلى سابق عهدها".
دوبلاج ومسلسل وجائزة أممية ورسالة توعوية ضد زواج القاصرات
ولا تزال إيمي صاحبة أغنيتي "سوف أحلم" و"الحياة أمل" تجبر خواطر أبناء الوطن العربي الواحد بأغنيات الإنمي، فمن لا يعرف إيمي فهي صوت يمني يعبق برائحة البن وطعم العنب، تعاونت مع المنتج والملحن والكاتب الأردني عزالدين الشويخ، وخاضت تجربة الدوبلاج مع مركز الزهرة في مسلسل أساطير في قادم الزمان، أحيت إيمي حفلها الموسيقي الخاص الأول في بغداد. أصدرت إيمي أغنية "ما هو ذنبي؟" ترجمة لفكرة توعوية تبنتها منظمة الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع ايمي في محاولة للحد من ظاهرة زواج القاصرات.