بداية من فترة حكم إيفان الرابع الملقب بالرهيب، باشر الروس بالتوسع بشكل سريع شرقا. وقد استمر هذا التوسع خلال فترات حكم كل فيودور الأول وبوريس غودونوف وميخايل الأول لتتمكن روسيا في النهاية من الهيمنة على مواقع شاسعة من التايغا السيبيرية، التي قطنتها قبائل من الرحل، وتدفع بذلك حدودها الشرقية نحو المحيط الهادئ.
ومع نهاية فترة الحروب النابليونية وانعقاد مؤتمر فيينا لعام 1815، اتجه القياصرة الروس لملاحقة طموحاتهم التوسعية الأوراسية، نسبة لأوراسيا (Eurasia)، موجهين بذلك أنظاهرهم نحو آسيا الوسطى ومناطق ما خلف جبال الأورال (Ural). وأثناء فترة سيئة من تاريخهم تميّزت بصعود الإمبراطورية الألمانية، وجد الروس أنفسهم في خلاف مع البريطانيين بآسيا حيث اصطدمت الأطماع التوسعية الروسية بنظيرتها البريطانية التي تمركزت منذ فترة طويلة ببلاد الهند.
توسع بآسيا الوسطى
على إثر الحملة النابليونية على بلاد مصر ما بين عامي 1798 و1801 ونجاح الفرنسيين في قطع طريق الهند عليهم، أيقن البريطانيون بضرورة تأمين الطرق البحرية التي تؤدي لأهم مستعمرة لديهم والتي لم تكن سوى بلاد الهند. وخلال السنوات التالية، هيمنت بريطانيا على منافذ ومواقع بحرية استراتيجية كرأس الرجاء الصالح بأقصى جنوب القارة الإفريقية عام 1815 وخليج عدن بمدخل البحر الأحمر سنة 1838.
وأمام توسع الروس بآسيا واقترابهم من المستعمرة البريطانية بالهند، لم تتردد بريطانيا في عقد اتفاقيات وتفاهمات مع حكام كل من فارس وأفغانستان واضطرت ما بين 1839 و1842 لخوض غمار حرب ضد الأخيرة، لضمان نفوذها، انتهت بهزيمة البريطانيين وخسارتهم لآلاف الجنود.
ومن الجانب الروسي، تمكن الروس مع نهاية فترة حكم القيصر نيقولا الأول (Nicholas I) عام 1855 من السيطرة على السهوب الكازاخية قبل أن يوجهوا أنظارهم نحو الخانات الأوزبكية الجنوبية بهدف ممارسة مزيد من الضغط على البريطانيين الذين تمكنوا في وقت سابق من بسط نفوذهم على كشمير.
مطلع شهر أيار/مايو 1868، تمكن الجنرال الروسي قسطنطين فون كوفمان (Constantin von Kaufmann) من دخول منطقة سمرقند. وبحلول العام 1881، تقدم الروس نحو جوكديبي (Gökdepe) قبل أن يبلغوا بعدها بثلاث سنوات فقط منطقة واحة مرو (Merv) التركمانية المتاخمة لأفغانستان.
اتفاقية وتحالف ضد ألمانيا
وفي خضم ثمانينيات القرن التاسع عشر، كتم العالم أنفاسه استعدادا لحرب شبه مؤكدة بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية. لكن خلال العام 1887، مال القيصر الروسي ألكسندر الثالث (Alexander III) للتهدئة فأمر بوقف توسع بلاده بآسيا الوسطى وقبل باتفاقية رسمت الحدود الشمالية لأفغانستان.
ومطلع القرن العشرين، شهد العالم تغييرات عديدة ساهمت في وضع حد للخلاف الاستعماري البريطاني الروسي بشكل سريع. فأثناء تلك الفترة، اعتمدت الإمبراطورية الألمانية سياسة عالمية جديدة عقب تربع الإمبراطور فيلهلم الثاني (Wilhelm II) على العرش وإزاحته للمستشار أوتو فون بسمارك. وقد طالب الإمبراطور الجديد بإعادة اقتسام العالم لتمكين ألمانيا من مزيد من المستعمرات وأقحم أوروبا في سباق تسلح غير مسبوق خاصة مع تأييده لبرنامج صناعة السفن الحربية بهدف خلق بحرية ألمانية قادرة على مقارعة البحرية البريطانية.
من جهة أخرى، واجهت الإمبراطورية الروسية تحديات إضافية عقب تلقيها لهزيمة مذلة على يد اليابانيين بالحرب اليابانية الروسية، ما بين عامي 1904 و1905، التي اضطرت على إثرها لتقديم تنازلات كبيرة لليابان.
ويوم 31 أغسطس 1907، وقعت كل من روسيا وبريطانيا على اتفاقية سانت بطرسبرغ لتحديد مناطق نفوذها بآسيا. وبموجب ذلك، اعترف الروس بأفغانستان كشبه مستعمرة بريطانية بينما تخلى البريطانيون عن أطماعهم بالتبت. فضلا عن ذلك، قسّمت فارس لثلاثة مناطق نفوذ فأصبح الشمال قابعا تحت نفوذ الروس بينما بسط البريطانيون نفوذهم على الجزء الجنوبي وللفصل بين المنطقتين وتجنب المناوشات وافق الطرفان على خلق منطقة محايدة بالوسط.
إلى ذلك، وضعت هذه الاتفاقية الموقعة يوم 31 أغسطس 1907 حدا للخلاف البريطاني الروسي القائم منذ عشرات السنين ومهّدت الطريق لعلاقات ثنائية جديدة وتعاون عسكري تزامن مع ظهور حلف الوفاق الثلاثي، الذي ضم كلاً من روسيا وبريطانيا وفرنسا، الموجه أساسا ضد ألمانيا والنمسا.