اتفاقية تنصل منها الروس كادت أن تغير مجرى الحرب الأولى

مع تفعيل التحالفات العسكرية ما بين أواخر شهر يوليو ومطلع شهر أغسطس من العام 1914، غاصت أوروبا في أهوال الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من 4 سنوات متسببةً في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 20 مليون شخص. فبعد مضي شهر واحد على حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند بالعاصمة البوسنية سراييفو يوم 28 يونيو 1914، وجدت دول "الوفاق الثلاثي"، المتكون من بريطانيا وفرنسا وروسيا، نفسها في مواجهة مع الإمبراطوريتين الألمانية والنمساوية اللتين شكّلتا، برفقة إيطاليا، "الحلف الثلاثي".

وكان القيصر الألماني فيلهلم الثاني (Wilhelm II) قد قاد، قبل سنوات من بداية النزاع العالمي، مفاوضات لإجهاض تحالف "الوفاق الثلاثي". فخلال العام 1905 حاول الأخير إخراج روسيا من هذا الحلف العسكري وإنهاء سياسة التقارب الروسي-الفرنسي.

وخلال الحرب الروسية-اليابانية ما بين عامي 1904 و1905، تلقّى الروس هزيمة مذلة على يد اليابانيين. وفي خضم هذه الحرب، اتجّه البريطانيون لمساندة اليابانيين بسبب نزاعهم مع روسيا حول السياسة التوسعية بآسيا الوسطى. في المقابل، فضّل الفرنسيون اتخاذ موقف الحياد تاركين بذلك أصدقاءهم الروس بمفردهم في مواجهة الإمبراطورية اليابانية الصاعدة إقليمياً.

في ظل هذه الظروف، وجّه فيلهلم الثاني تلغراماً لنظيره، وقريبه، القيصر الروسي نيقولا الثاني عرض عليه من خلاله عقد اجتماع سري لمناقشة جملة من المسائل العالقة بين الدولتين. وليلة يوم الأحد 23 يوليو 1905، حلّ القيصر الألماني فيلهلم الثاني قرب جزر بيوركو (Björkö)، التابعة لدوقية فنلندا، على متن يخته الخاص هوهنزوليرن (Hohenzollern) حيث كان في استقباله نظيره الروسي نيقولا الثاني على متن يخته ستاندارت (Standart).

وعقب عشاء بين الإمبراطورين على متن اليخت الروسي، اتجه فيلهلم الثاني لاستغلال الخسارة الروسية ضد اليابان ليعرض على نيقولا الثاني تحالفاً عسكرياً يدخل حيّز التنفيذ تزامناً مع نهاية الحرب الروسية-اليابانية.

وبموجب هذه المعاهدة التي أعدّها المستشار الألماني برنارت فون بولوف (Bernhard von Bülow) تعهّدت كل من روسيا وألمانيا بالتدخل لصالح الطرف الآخر في حال تعرضه لهجوم وعدم قبول أي اتفاقية وقف إطلاق أو سلام منفصلة مع "العدو" تزامناً مع بداية المعارك. من ناحية ثانية، قبل الإمبراطور الروسي نيقولا الثاني، بحسب البند الرابع من هذه المعاهدة، بالتفاوض مع فرنسا وإقناعها بضرورة الالتحاق بهذا التحالف الجديد بأوروبا أملاً في عزل بريطانيا.

وقّعَت هذه المعاهدة الألمانية-الروسية، التي عرفت لاحقاً باسم "معاهدة بيوركو"، من قبل كل من فيلهلم الثاني ونيقولا الثاني، كما حملت أيضاً توقيع وزير الخارجية الألماني هاينريش فون تشيرشيسكي (Heinrich von Tschirschky) ووزير البحرية الروسي ألكسي بيريليف (Aleksei Birilev).

وبينما رحّب الألمان بهذه المعاهدة، استنكر الوزراء الروس، على رأسهم الوزير سيرغي ويت (Serge Witte)، بنودها وعبّروا عن مخاوفهم من إمكانية خسارة حليفهم الفرنسي الذي كان في حالة عداء مع الألمان منذ فترة الحرب الفرنسية-البروسية. وبسبب ذلك، اتجه الوزراء الروس لإقناع القيصر نيقولا الثاني بمخاطر التقارب مع الألمان ملمّحين للخسائر المادية الهائلة التي قد تتكبدها بلادهم في حال إغلاق السوق الفرنسية.

وأمام هذا الوضع، رضخ نيقولا الثاني لمطالب وزرائه فراسل يوم 23 نوفمبر 1905 نظيره الألماني فيلهلم الثاني وأطلعه على قرار روسيا بالانسحاب من المعاهدة الألمانية-الروسية المعروفة بـ"معاهدة بيوركو". لاحقاً، اتّجه الفرنسيون والبريطانيون لتوطيد علاقاتهم مع الروس. فمع انسحابها من التبت، قبلت بريطانيا باقتسام بلاد فارس مع الروس وإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح بين الجانبين.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: