لطالما كانت أفغانستان الدولة الجبلية الواقعة في جنوب آسيا الوسطى عصية على دول عظمى مثل بريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
وتعاقب على حكمها منذ بدايات القرن الماضي العديد من الأنظمة، من الملكية إلى اليسارية ومن ثم الجمهورية الإسلامية وأعقبتها إمارة طالبان.
فقد بدأ التاريخ السياسي لأفغانستان منذ القرن الثامن عشر، يتبلور مع تأسيس إمارة لقبيلة "دُراني" البشتونية بقيادة أحمد خان الدُراني، مؤسس السلالة الهوتكية في سنة 1709.
وكانت قندهار عاصمتها، وانتقلت في عام 1776 إلى كابل، وفي 19 أغسطس 1919 بُعيد الحرب الإنجليزية الأفغانية الثالثة استعاد البلد استقلاله من بريطانيا وتشكلت الدولة الحديثة.
فترة حكم كلكاني
إلى ذلك، تأسست أفغانستان الحديثة كمملكة على أنقاض إمارة أفغانستان القديمة، خلال حكم أمان الله شاه بارك زي الذي حكم من 28 فبراير 1919 إلى 14 يناير 1929، حاملاً معه أفكاراً جديدة لإحداث تغيرات سياسية واجتماعية في البلاد بعد عودته من أوروبا في زيارة طالت 7 أشهر.
إلا أن المجتمع الأفغاني التقليدي لم يتقبلها، فانتقل إلى إيطاليا بعد تعرضه لهجمات من قبل معارضيه وعلى رأسهم حبيب الله كلكاني الذي حارب الديمقراطية والثقافة الحديثة باسم الدين.
بعد ذلك استلم، حبيب الله كلكاني الحكم في 1929، كثاني حاكم لأفغانستان في العصر الحديث وكأول طاجيكي يحكم البلاد، وبذلك أعاد الطاجيك إلى الحكم بعد حوالي 700 سنة، فأعلن نفسه أميراً وقام بإلغاء الدستور إلا أنه لم يبق في الحكم أكثر من 9 أشهر.
حكم سلالة "بارك زي" البشتونية
وانتهت فترة حكم كلكاني بعد هجوم قوات محمد نادر خان وقتل حبيب الله كلكاني رغم تسليم نفسه وحصوله على الأمان.
وكان نادر خان، أبرز قادة الملك السابق أمان الله شاه وأعاد الملك إلى سلالة "بارك زي" البشتونية بإعلان محمد نادر شاه نفسه ملكاً على البلاد، والذي بقي في الحكم لمدة أربع سنوات، لكن اغتيل في 8 نوفمبر 1933 على يد طالب من الهزارة بسبب غضبه من تعامل نادر شاه مع طائفته.
بعد ذلك استلم الحكم نجله محمد ظاهر شاه البالغ من العمر 19 عاماً ليحكم أفغانستان 40 عاماً من 1933 إلى 1973، كأطول فترة حكم في أفغانستان.
وطور ظاهر شاه علاقات أفغانستان الدبلوماسية مع العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا.
كما، بدأ ظاهر شاه في الخمسينيات، بتحديث البلاد، وصياغة دستور جديد، وإنشاء ملكية دستورية، ولم يدعم أي حزب معين في البلاد وتمكن من إقامة فترة سلام دائم في أفغانستان.
بدء الحكم الجمهوري
وفي خلال زيارة الملك ظاهر شاه لإيطاليا، أقدم ابن عمه ورئيس وزرائه محمد داود خان في 17 يوليو 1973، على انقلاب فألغى الحكم الملكي للسلالة البركزية بعد 150 عاماً، معلناً قيام جمهورية أفغانستان.
واشتهر داود خان بسياساته التقدمية، ومحاولاته لتحسين ظروف المرأة، حيث منحها حقوقها، وأطلق خطتين لتحديث البلد، ما زاد القوى العاملة بنحو 50 في المائة.
في موازاة ذلك، وبعد أن تدهورت علاقات داود خان مع الاتحاد السوفيتي نتيجة لطرده المستشارين الروس واقترابه من الغرب، قتل هو و18 من أعضاء أسرته في 28 أبريل 1978 في القصر الرئاسي المعروف باسم "قصر دار الأمان" في كابل.
وإثر الانقلاب الذي قام به "حزب الشعب الديمقراطي" وهو حزب ماركسي لينيني كان حليفاً لداود خان، فقد استلم نور محمد تركي أحد قادة الحزب الانقلاب الحكم في أفغانستان.
وبذلك بدأ الحكم اليساري بحلول عام 1978 وتم تأسيس "جمهورية أفغانستان الديمقراطية" بقيادة حزب الشعب الديمقراطي الذي بدأ تطبيق النظام الشيوعي.
إلا أن الصراع على السلطة احتدم داخل الحزب، بين تيارين رئيسيين وسط رفض شعبي وديني للنظام الشيوعي، وصارت المعارضة للحكم الشيوعي تتوسع يوما بعد يوم.
في خضم ذلك، انتهى حكم تَرَكي في 1979 بعد أن تم خنقه بالوسادة في القصر الجمهوري بواسطة مؤيدي رفقيه الحزبي، ورئيس وزرائه حفيظ الله أمين، وبعد ذلك شغل حفيظ الله منصب رئاسة الجمهورية فی 16 سبتمبر 1979.
وحاول حفيظ الله أمين في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي الشيوعي والغربي الرأسمالي، الاقتراب من الولايات المتحدة وباكستان في الوقت الذي كانت رقعة الاحتجاجات والتمرد الشعبي والقبلي ضد الشيوعيين تتوسع في أفغانستان.
الإطاحة بحكومة أمين
في الأثناء، بدأ التدخل السوفيتي في أفغانستان بعد 100 يوم من حكم أمين، فقد توصل القادة السوفيت إلى استنتاج مفاده أنه ببقاء أمين في السلطة، لا يمكن احتواء الانتفاضة الشعبية والمقاومة ضد الحكم الشيوعي في أفغانستان.
وقرر الروس إرسال قوات إلى أفغانستان واستبدال حفيظ الله أمين ببراك كارمل، ولتحقيق هذه الغاية، هبطت الطائرات السوفيتية في 27 ديسمبر 1979، واحدة تلو الأخرى في المطارات العسكرية الأفغانية.
وكان حفيظ الله أمين في قصر دار الأمان بكابل، وكان حيث تقرر تسميمه في نفس اليوم من قبل ضابط مخابرات سوفيتي تم تعيينه كطباخ في القصر قبل وصول القوات الروسية ولكن لم تنجح العملية كما خطط لها، لذا بدأ الهجوم العسكري الروسي على القصر الرئاسي وتم قتل الجميع ودخلت قوات الـ"كي جي بي"، غرفة أمين وقتلته هو عائلته، وفي تلك الليلة، تحدث ببرك كارمل عبر إذاعة كابل، معلناً الإطاحة بحكومة أمين.
وهكذا بدأ ببرك كارمل رئاسته تزامناً مع التدخل الروسي واغتيال رفيقه حفيظ الله أمين، وصار ينتقد بشدة أمين، واصفاً إياه بـ"الفاشي الدموي والقاسي".
بدوره، سعى كارمل خلال السنوات الست التي قضاها في منصبه، إلى إعادة النظر في سياسات الحزب الحاكم والحكم الشيوعي، محاولاً إخماد تمرد المجاهدين.
ومن الإجراءات التي قام بها في هذا السياق، استعاد لون علم البلاد من الأحمر الشيوعي إلى الألوان التقليدية الثلاثة وهي الأحمر والأسود والأخضر.
كما أشرك القبائل في مختلف مستويات الحكم، واحترم الطقوس الدينية، وسعى لتحسين العلاقات مع الدول الإسلامية، ولكن دون جدوى، حيث استمر التمرد الواسع والمتنامي ضد حكمه.
نهاية الحكم الشيوعي
مع ظهور ميخائيل غورباتشوف رئيساً للاتحاد السوفيتي السابق، تغيرت سياسات موسكو تجاه أفغانستان، نتيجة لعدد لا يحصى من القتلى في صفوف القوات السوفيتية خلال الغزو.
وقرر السوفيت الانسحاب من أفغانستان واعتبروا ببرك كارمل، عقبة في طريق التوصل إلى اتفاق مع قادة المجاهدين، وهكذا بدأت الاستعدادات لإزاحته من الحكم.
وأقيل كارمل من منصب الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي في 4 مايو 1986، وفي 21 نوفمبر من نفس العام أطاح به محمد نجيب الله من المنصب الرئاسي.
كذلك، ذهب كارمل إلى موسكو وعاد إلى أفغانستان في منتصف عام 1991 وتوفي في 3 ديسمبر 1996 في موسكو حيث دفن في مدينة حيرتان على حدود أوزبكستان.
وانتخب، أمين عام حزب الشعب الديمقراطي، الجنرال نجيب الله، رئيساً لجمهورية أفغانستان في نوفمبر 1986.
دستور جديد
وفي فترة حكمه، وضع دستور جديد وألحقت به تعديلات شملت إيجاد نظام سياسي تعددي، وأدرجت قوانين تتعلق بحرية الرأي ونظام قانوني إسلامي.
وترأس وضع الدستور سلطة قضائية مستقلة، كما أجرى اتصالات بالمجاهدين عبر إنشاء لجنة المصالحة الوطنية في سبتمبر 1988.
وبعد فترة أعطى الضوء الأخضر لموسكو للانسحاب من أفغانستان والذي تم فعلاً في 20 يوليو 1987، ضمن سلسلة من الاجراءات الداخلية للاقتراب من المعارضين.
كما، دعا نجيب الله الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 يونيو 1988 إلى إيجاد حل عادل وشامل للأزمة الأفغانية.
إلى ذلك، وبعد انسحاب قواتها، قدمت موسكو مساعدات إلى نجيب الله، بلغت في عام 1990 حوالي ثلاثة مليارات دولار.
وزودت الجيش الأفغاني بأسلحة ومعدات متطورة، وبالتزامن مع ذلك، تفاوض نجيب الله مع القائد الوطني، أحمد شاه مسعود، تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية شاملة لإنهاء الحرب الأهلية.
إلا أن هذه المساعي باءت بالفشل، وقرر نجيب الله الاستقالة من منصبه في 1992، تمهيداً لتشكيل حكومة انتقالية، وفي الأثناء سقطت كابل بيد المجاهدين، وعندما حاول نجيب الله الاجتماع بالمبعوث الأممي في أفغانستان، بمطار كابل الدولي، عرقل مقاتلو الجنرال عبد الرشيد دستم سبيله ما اضطره في 17 أبريل 1992 لطلب اللجوء السياسي بمكتب الأمم المتحدة في كابل.
وبقي هناك مع شقيقه حتى سبتمبر 1996 عندما استولت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية بعد انسحاب أحمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني منها، وألقت طالبان القبض عليه بعد اقتحامها مقر الأمم المتحدة وأعدمته في وسط كابل في 27 سبتمبر 1996.