السوفيت دخلوا بولندا.. أبادوا آلافاً واتهموا الألمان

قبل نحو أسبوع من بداية الاجتياح الألماني للأراضي البولندية واندلاع الحرب العالمية الثانية، وقّع الألمان والسوفيت بالعاصمة موسكو اتفاقية عدم اعتداء أثارت حيرة العديد من الخبراء السياسيين.

ففي يوم 23 آب/أغسطس عام 1939، حلّ وزير الخارجية الألماني يواكيم فون ريبنتروب (Joachim von Ribbentrop) بموسكو، والتقى عدداً من القادة السياسيين السوفيت، كان على رأسهم جوزيف ستالين، وذلك قبل أن يمضي مع نظيره السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف (Vyacheslav Molotov) ما عرف لاحقا باتفاقية "مولوتوف ريبتروب".

وتضمنت الاتفاقية المعروفة بنودا سرية، تعاهد خلالها الطرفان على اقتسام الأراضي البولندية، في حين وافق ستالين على تزويد هتلر بكميات كبيرة من المواد الأولية لدعم آلة الحرب الألمانية بحملاتها العسكرية المستقبلية.

إعدام 22 ألف شخص

ويوم 1 أيلول/سبتمبر 1939، باشر الألمان تدخلهم بالأراضي البولندية، معلنين بذلك بداية الحرب العالمية الثانية.

أما يوم الـ17 من نفس الشهر، فهاجمت القوات السوفيتية الجزء الشرقي من البلاد تنفيذا لما جاء باتفاقية مولوتوف ريبتروب.

وبسبب انشغال القيادة العسكرية البولندية بالجبهة ضد الألمان، لقي الجيش الأحمر السوفيتي مقاومة ضئيلة أثناء تقدمه، فتمكن خلال فترة وجيزة من أسر ما يزيد عن ربع مليون عسكري وشرطي بولندي.

وخلال الفترة التالية، أطلق السوفيت سراح العديد من هؤلاء الأسرى، مقابل نقل ما يزيد عن 125 ألفا منهم نحو معسكرات العمل القسري بالمناطق النائية من البلاد.

إلى أن اقترح مسؤول بالمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية لافرينتي بيريا (Lavrentiy Beria) اقتراحاً وافق عليه ستالين، فباشر السوفيت بإعدام نحو 22 ألف بولندي بمناطق عدة ككاتين (Katyn) بأوبلاست سمولينسك وخاركيف وكالينين.

ومن ضمن هؤلاء الذين أعدموا، تواجد نحو 8 آلاف من كبار العسكريين ورجال الشرطة البولنديين إضافة لعدد هام من الأساتذة الجامعيين والأطباء والمهندسين ورجال الدين والسياسيين الذين اتهموا بمعارضة الشيوعية والحقد على جوزيف ستالين.

اتهامات متبادلة

منذ انطلاق عملية اجتياح الأراضي السوفيتية، اكتشف الألمان بداية من صيف عام 1941 بغابات كاتين العديد من المقابر الجماعية التي ضمت جثث مئات من العسكريين البولنديين.

وخلال شهر نيسان/أبريل 1943، تزايد عدد هذه المقابر الجماعية المكتشفة بشكل ملحوظ.

فاتجه النازيون عقب هزيمتهم بمعركة ستالينغراد، لكشف حقيقة هذه المقابر الجماعية للعالم أملا في خلق نزاع قد يؤدي لإقصاء الاتحاد السوفيتي من الحلفاء.

وبعد انتشار خبر وصور المقابر بكاتين، نفى الاتحاد السوفيتي مسؤوليته عن الأمر، فاستشاط الجنرال وقائد المعارضة البولندية بلندن فلاديسلاف سيكورسكي (Wladislaw Sikorski) غضبا وطالب بإرسال لجنة من الصليب الأحمر للتحقق من حقيقة المذبحة تزامنا مع قطعه جميع العلاقات الدبلوماسية مع السوفيت.

إلى ذلك، اعتبر سيكورسكي الحادثة إهانة للبولنديين، فأواخر العام 1941، قاد هذا الجنرال البولندي زيارة لموسكو أين التقى بجوزيف ستالين.

وخلال هذه الزيارة، قدّم البولنديون لستالين وثيقة احتوت على أسماء عدد من جنودهم الذين اختفوا تزامنا مع بداية التدخل السوفيتي ببلادهم عام 1939.

وبعد استلامه للوثيقة، ارتبك ستالين وطمأن نظيره البولندي واعدا إياه بالبحث عن كل هؤلاء البولنديين المفقودين.

ثم فض الاتحاد السوفيتي كل ما نسب إليه ووجه أصابع اللوم للقوات الألمانية متهما إياها بارتباك المذبحة وتلفيقها للقوات السوفيتية بهدف تشويه سمعة الجيش الأحمر وجوزيف ستالين.

تهرّب من المسؤولية

خلال شهر أيار/مايو 1943، حلت لجنة من الصليب الأحمر على عين المكان للتحقيق في الأمر.

وبمساعدة ألمانية، أكدت لجنة الصليب الأحمر أن الجثث الموجودة بكاتين تعود لجنود بولنديين أعدموا عام 1940 رميا بالرصاص، بإصابات مباشرة بالرأس والعنق، أي قبل بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية.

عقب نتائج التحقيق، أعلن ستالين عن إنشاء لجنة التحرير الوطنية تكوّنت من شيوعيين بولنديين لمنافسة المعارضة البولندية بلندن.

وحال نشأتها، اعترفت هذه اللجنة برواية السوفيت حول مسؤولية الألمان عن المذبحة.

وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، حاول الاتحاد السوفيتي أثناء محكمة نورمبرغ إضافة مذبحة كاتين لجرائم الحرب التي اتهم المسؤولون النازيون باقترافها، في حين رفض الأميركيون والبريطانيون الأمر ووصفوه بالمسخرة المسيئة لنزاهة القضاء الدولي.

يذكر أنه وعلى مدار عقود، رفض الاتحاد السوفيتي الاعتراف بـ"مذبحة كاتين". إلى أن أعلن الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بعد زوال الاتحاد، عام 1990، مسؤولية بلاده عما حصل بكاتين قبل 50 عاما.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: