عاشت الدولة العثمانية خلال فترة حكم السلطان محمود الثاني (Mahmud II) على وقع جملة من التجاذبات السياسية. فتزامنا مع محاولات يائسة لإصلاح البلاد، شهدت الدولة عام 1826 أحداث الواقعة الخيرية التي أباد خلالها محمود الثاني فيالق الإنكشارية.
بالإضافة إلى ذلك، عرفت فترة حكم الأخير التي استمرت ما بين عامي 1808 و1839 انتكاسات عديدة. فعقب ثورتي عامي 1804 و1815، كسب الصرب جانبا من الاستقلالية عن العثمانيين.
في حدود العام 1821، اندلعت الثورة اليونانية التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات وأسفرت في النهاية عن استقلال اليونان وزوال الاحتلال العثماني.
وأثناء فترة محمود الثاني، عاصرت الدولة العثمانية كارثة إنسانية. فما بين عامي 1812 و1819، عانت البلاد من ويلات الطاعون الذي تفشى بالمدن وأسفر عن سقوط مئات آلاف الضحايا.
تفشي الوباء بالقسطنطينية
وسجّل الوباء ظهوره لأول مرة بالعاصمة القسطنطينية خلال شهر تموز/يوليو 1812.
وفي البداية، شهدت المنطقة ظهور بضعة حالات. لكن بحلول أواخر آب/أغسطس من نفس العام، بدأ الوضع بالخروج عن السيطرة.
فمع بداية شهر أيلول/سبتمبر، أحصى المسؤولون الصحيون بالقسطنطينية أكثر من ألفي وفاة يوميا. وعلى الرغم من تراجع حدّته خلال شهر كانون الأول/ديسمبر، عاد الوباء مجددا بالأشهر التالية وانتشر بشكل سريع نحو مناطق عدّة بالدولة العثمانية.
320 ألف ضحية
إلى ذلك، بلغ الطاعون العثماني الإسكندرية وفالاتشيا (Wallachia) الواقعة برومانيا حاليا عام 1813. وفي بوخارست، قتل الوباء ما بين 25 ألفا و30 ألف شخص.
وأثناء نفس الفترة، سجل هذا الطاعون ظهوره بالبوسنة وبلغ دالماسيا (Dalmatia)، بكرواتيا حديثا، عام 1815 كما عاود الظهور مجددا بمصر ما بين عامي 1814 و1815.
في موازاة ذلك، اتجه السكان في أوديسا (Odessa) الواقعة أوكرانيا حاليا، تزامنا مع انتشار المرض، لفرض سياسة الحجر الصحي.
فأغلقت الكنائس والمرافق العمومية أبوابها وأجبر السكان، المقدر عددهم بنحو 32 ألف نسمة، على عدم مغادرة منازلهم إلا للضرورة.
وبعد نحو شهرين، عادت الحياة العادية للمدينة، عقب زوال الطاعون العثماني منها، التي منع سكانها من مغادرتها.
انتشار الطاعون للخارج
من ناحية أخرى، امتد الطاعون العثماني خارج حدود الدولة العثمانية. فخلال شهر آذار/مارس عام 1813، سجّلت جزيرة مالطا، التي كانت تحت الحماية البريطانية حينها، ظهور العديد من الحالات بها.
ولحدود مطلع العام 1814، أسفر الوباء عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص من سكان هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة بعرض البحر الأبيض المتوسط قبل أن يمتد منها نحو جزيرة غوزو (Gozo).
ومع نهاية الوباء عام 1819، تحدّثت السلطات العثمانية عن وفاة أكثر من 320 ألف شخص أكدت من خلالها وفاة ما لا يقل عن 220 ألف تركي و40 ألف أرميني.