وضعت الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط مدينة وهران غربي الجزائر (تبعد 432 كيلومترا)، تحت الأضواء، إذ يطمح سكانها للتعريف أكثر بمدينتهم الساحلية التي خطفت عقول وسلبت قلوب من حط الرحال بها، وبعاداتها وتقاليدها التي تُشكّل نمط الحياة اليومي.
وتعد وهران رمزاً للتعدد الثقافي وإحدى المدن الأكثر انفتاحاً وتسامحاً، بشهادة من مروا منها، وهو ما ذهبت إليه أستاذة التاريخ في "جامعة بوسطن" ديانا ويلي التي قالت إن مدينة وهران تمثّل بداية العولمة منذ العهد الوسيط، فهي تضم الشواهد على الاختلاط الحضاري.
وعند الغوص عن أزقة وأحياء "الباهية"، كما يسميها الجزائريون، لا يمكن تجاهل المطبخ الوهراني المندمج في تراث المدينة وحضارتها، والمعروف بتعدد الأكلات الشعبية التراثية القديمة والأصيلة، المتأثرة بالمطبخ الجنوب إسباني.
وفي قائمة الأطباق والأكلات الطويلة، تبرز أكلة شعبية أشهر من نار على علم وهي "الكارنتيكا" أو "الكاران" أو "الحامي" بلهجة الغرب الجزائري، وتسمى "القرنطيطة" بلهجة الجزائر العاصمة.
وتستمد كلمة "كرانتيكا" أصولها من الكلمة الإسبانية calienteta أو caliente والتي تعني باللغة العربية "ساخنة". وتقول المراجع التاريخية، إن اختراع هذه الأكلة الشعبية يعود إلى القرن السادس عشر، وبالتحديد من داخل الحصن الأثري "قلعة سانتا كروز" التي تقع في قمة جبل "المرجاجو"، لتحكي تاريخ مدينة وهران غربي الجزائر، مع الاحتلال الإسباني حيث بنيت عام 1577 -1604، وكانت حصنا يستعمل لمراقبة ميناء وساحل المدينة.
وصفة ولدت داخل قلعة "سانتاكروز"
وولدت هذه الوصفة خلال إحدى المعارك بين الإسبان والمسلمين الذين كانوا يحاولون فتح المدينة، وتم حصار الجيش الإسباني مما أجبره على البقاء داخل الحصن حتى نفد الطعام من المخازن، ولم يجد الجنود سوى طحين الحمص ليصنعوا منه أكلاً أمام الجوع الشديد والحاجة إلى الغذاء، فقاموا بإضافة الماء والملح للحمص المطحون، ليكتشفوا أنّها ذات طعم طيّب، ومنذ ذلك الحين انتشرت الأكلة، وامتدت شعبيتها من وهران إلى باقي مناطق الوطن، وحتى خارج البلاد، خصوصاً في المناطق التي تتواجد فيها الجالية الجزائرية بكثافة.
ونظرا لسهولة تحضيرها وبساطة مكوناتها، أصبحت "الكارنتيكا" أكلة أساسية لكل فئات الناس فقراء وأغنياء، كما أنّها جذبت إلها حتى السياح الأجانب، إذ لا يمكن زيارة المدينة دون تذوق هذه الأكلة، وقامت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الجزائر إليزابيث مور أوبين، المعينة حديثاً خلال زيارتها، إلى وهران، بتذوق هذه الأكلة، وصنعت صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي الحدث، وقال معلقون إن "زيارة وهران من دون تناول الكاران، تعتبر رحلة غير مكتملة".
ويقول محمد إن "القرنطيطة" رفيقة درب الجزائري جيلا عن جيل، سواء كان عاملاً أو طالباً أو حتى مسافراً يقطع الكيلومترات، فإن هذه الوجبة البسيطة هي الملاذ لكسر الجوع".
ويضيف لـ"العربية.نت" أنه "لا يبدو أن هذه الأكلة ستتراجع عن تصدّر العادات الغذائية للجزائريين، بدليل أن محلات كثيرة لا تزال تتخصص في صنعها في كل مكان، فضلاً عن استمرار إقبال العائلات على تحضيرها في المنازل".
وربما يكون السرّ في كونها الأسرع والأكثر بساطة من ناحية التحضير والأكل كذلك، وقي حقيقة الأمر أنّها لا تزال بين أقل الوجبات تكلفة منذ زمن، إذ لا يتعدى سعرها النصف دولار، دون إغفال لذّتها وقيمتها الغذائية أيضاً، بحسب محمد.
مكونات بسيطة
وتصنع "الكرانتيكا" حالياً بمزج الماء وطحين الحمص والملح والزيت، كما يمكن إضافة البيض لها للراغبين في الحصول على خلطة أكثر تماسكاً، لتوضع في فرن ساخن لمدة نصف ساعة تقريباً حتى تتكون فوقها طبقة محمرّة خفيفة وإضافة القليل من بهار الكمون، الذي يعطيها مذاقاً لذيذاً، وتقدم ساخنة داخل رغيف من الخبز، مع صلصة حمراء حارّة تسمى "الهريسة"، وذلك حسب الذوق ورغبة الزبون.