بعد مضي حوالي 3 أشهر على بداية الغزو الألماني للأراضي البولندية واندلاع الحرب العالمية الثانية، شهد العالم في 30 نوفمبر 1939 نزاعاً عسكرياً جديداً عقب قيام الاتحاد السوفيتي بمهاجمة فنلندا ضمن ما عرف بحرب الشتاء.
وفي خضم هذه الحرب التي استمرت لنحو 3 أشهر وأسبوع عانى السوفييت من مصاعب عديدة في تحقيق تقدم ملموس على الأراضي الفنلندية ويعود السبب في ذلك أساسا لبرودة الطقس.
كما يعود ذلك لفقدان الخبرات في الجيش السوفيتي بعد قيام جوزيف ستالين بإعدام أغلب كبار قادة الجيش، أثناء فترة التطهير الكبير التي اندلعت عقب اغتيال سيرغي كيروف (Sergei Kirov) وراح ضحيتها ما لا يقل عن 700 ألف سوفيتي.
وأثناء حرب الشتاء، تكبّد السوفييت خسائر بشرية فادحة على يد الفنلنديين، ومن ضمن هؤلاء الفنلنديين الذين أرهقوا الجيش السوفيتي، يذكر التاريخ القناص سيمو هايها (Simo Häyhä) الذي تمكن بمفرده من قنص المئات من الجنود السوفييت.
بدايات سيمو هايها
ولد سيمو هايها يوم 17 ديسمبر 1905 بمنطقة راوتجارفي (Rautjärvi)، القريبة من الحدود الروسية بالجنوب الفنلندي.
وكان سيمو هايها سابع أطفال عائلة فقيرة، تكونت من عشرة أفراد، امتهنت الفلاحة منذ فترة طويلة.
لاحقا، التحق هذا الفتى الفنلندي بالمدرسة بقرية مياتيلا (Miettilä) أين درس تزامنا مع تعلّمة للصيد والتزلج.
إلى ذلك، وفي السابعة عشرة من العمر، التحق هايها كمتطوع بقوات ميليشيا الحرس المدني وشارك بالعديد من مسابقات الرماية بمقاطعة فيبوري (Viipuri) حيث حقق نتائج مشرفة حاصدا العديد من الألقاب.
وفي عام 1925، تقدّم الأخير للقيام بالخدمة العسكرية الإلزامية. وبناء على عدد من المصادر، لم يحصل سيمو هايها على تدريب بمجال القنص إلا بحلول العام 1938 بمنطقة أوتي (Utti) أي قبل عام واحد من بداية حرب الشتاء.
في الأثناء، حاول الاتحاد السوفيتي خلال العام 1939، اقتطاع جانب من الأراضي الفنلندية بهدف خلق منطقة عازلة لحماية مدينة لينينغراد من هجوم ألماني محتمل بالمستقبل.
ومع فشل المفاوضات، باشر الاتحاد السوفيتي تدخله العسكري ضد فنلندا يوم 30 نوفمبر 1939 معلنا بذلك بداية حرب الشتاء.
قتلى من السوفييت
إلى ذلك، عمل سيمو هايها بحرب الشتاء، كقناص لصالح الجيش الفنلندي وتواجد ضمن الفرقة السادسة من جيش المشاة الرابع والثلاثين التي قادها الملازم آران جوتيلاينين (Aarne Juutilainen).
وقاتل بمعركة كولا (Kollaa) التي استمرت ما بين 7 ديمسبر 1939 و13 مارس 1940. وفي خضم هذه الملحمة، اضطرت الأطراف المتحاربة لتحمّل درجات حرارة قاسية تراوحت بين 40 و20 درجة تحت الصفر.
أثناء المعركة، ارتدى سيمو هايها ثيابا بيضاء وتخفى رفقة بندقيته بين أكوام الثلوج.
وبفضل اعتياده على درجات الحرارة الباردة منذ الصغر، كان هذا القناص الفنلندي قادرا على المكوث لفترات زمنية طويلة بمكانه دون حراك كما عمد أحيانا لملء فمه بالثلج لتجند خروج البخار منه عند التنفس.
كذلك، مستخدماً تقنيات التخفي هذه، واجه السوفييت مصاعب في تحديد مكان سيمو هايها، الملقب بالموت الأبيض من قبل المسؤولين السوفييت، الذي كبّدهم خسائر جسيمة.
وتمكّن عبر بندقيته أم 28-30 (M/28-30)، من قنص 505 جنود سوفييت، سقط جلّهم بمعركة كولا، أثناء فترة قدّرت بنحو 90 يوما في خضم حرب الشتاء.
وعلى رغم حديث المصادر الرسمية عن عدد إصابات بلغ 505 إصابات، رجّح البعض أن يكون العدد أكبر من ذلك وأن يتجاوز في حقيقة الأمر عتبة 700 إصابة.
في السياق، تلقى سيمو هايها يوم 6 مارس 1940، رصاصة استقرت عند فكّه الأيسر وحطمت جزءا منه.
وبسبب هذه الإصابة، دخل الأخير في غيبوبة، عقب نقله للمستشفى، استفاق منها بعد أيام تزامنا مع نهاية حرب الشتاء وتوقيع اتفاقية موسكو.
وبفضل هذا العدد الهام من الجنود السوفييت الذين نجح في قنصهم، نال سيمو هايها العديد من الأوسمة وتحوّل لبطل قومي بفنلندا.
فضلا عن ذلك، يحتل الأخير اليوم صدارة ترتيب القناصين من حيث عدد الإصابات على مر التاريخ.