على الرغم من تشييدها لجدار برلين، إلا أن سلطات ألمانيا الشرقية فشلت في وقف عمليات هروب مواطنيها نحو القسم الغربي من العاصمة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.
فبعد تقسيم ألمانيا في تلك الفترة إلى جزء شرقي، عُرف بألمانيا الشرقية أو جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وآخر غربي، عرف بألمانيا الغربية أو جمهورية ألمانيا الاتحادية، لم تتردد سلطات ألمانيا الشرقية، المدعومة من الاتحاد السوفيتي، في إنشاء جدار امتد لعشرات الأميال وقسّم العاصمة إلى جزأين.
ومن خلال هذا الجدار الذي فرضت عليه حراسة مشددة، وجدت برلين نفسها مقسمة لقسم شرقي قابع تحت نفوذ جمهورية ألمانيا الديمقراطية وآخر غربي قابع تحت نفوذ جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وقد شيّد المسؤولون الشرقيون حينها هذا الجدار أملا في وقف حركة فرار الألمان الشرقيين نحو الجزء الغربي. فما بين عامي 1949 و1961، أحصى المسؤولون الأميركيون فرار ما لا يقل عن 3 ملايين شخص من ألمانيا الشرقية نحو جارتها الغربية.
كما لم يمنع هذا الجدار الألمان الشرقيين من مواصلة محاولات الفرار نحو القسم الغربي.
ولمواجهة هذا الأمر، ردّت قوات ألمانيا الشرقية بالرصاص مستهدفة كل من يحاول الاقتراب من الجدار.
نفق الهروب
ما بين يومي 3 و4 تشرين الأول/أكتوبر 1964، شهدت ألمانيا الشرقية أهم عملية فرار جماعي منذ نشأة الجدار.
وخلال تلك الفترة، تمكّن حوالي 57 مواطنا من ألمانيا الشرقية عن العبور نحو القسم الغربي مستخدمين نفقا تم حفره تحت جدار برلين وربط بين بنايتين بقسمي برلين.
فيما تكفّل حوالي 20 إلى 25 طالبا من ألمانيا الشرقية بمهمة حفر هذا النفق الذي استمرت أشغال تشييده نحو 5 أشهر.
وفي ظروف صعبة، اتجه هؤلاء الطلبة لتهيئة هذا النفق الذي امتد لمسافة 145 متر تحت جدار برلين.
وأنجزوا طيلة فترة الحفر مهمتهم بشكل سري، معتمدين نظام خروج ودخول صارم للمبنى، لعدم إثارة شكوك جنود أمن الدولة المعروفين بالشتازي (Stasi).
كما اعتمدوا على ألواح خشبية ثبتوها بشكل جيد نحو جدران وسقف النفق لمنعه من الانهيار.
فضلا عن ذلك، احتاج كل من استعمل هذا النفق، للرحيل نحو برلين الغربية، للانحناء والمشي على أطرافه الأربعة حوالي 10 دقائق لبلوغ الضفة الأخرى.
النفق 57
ولتأمين عملية دخول البناء ببرلين الشرقية، طلب من جميع المشاركين بعملية الفرار اعتماد كلمة السر "طوكيو" التي جاءت نسبة للألعاب الأولمبية طوكيو 1964.
وأثناء تأمين عملية الفرار نحو القسم الغربي من برلين، اندلعت اشتباكات مسلحة بين عدد من قوات الأمن، التي كشفت الخطة، ومجموعة صغيرة من الطلاب المسلحين.
وقد أسفرت هذه المواجهة المسلحة عن مقتل جندي من ألمانيا الشرقية حمل اسم إيغون شولتز (Egon Schultz) قيل إنه كان في الواحدة والعشرين من العمر.
وخلال السنوات التالية، تحوّل الجندي إيغون شولتز لبطل قومي بألمانيا الشرقية فأطلق اسمه على العديد من الشوارع والمدارس.
إلى ذلك، أسفرت عملية الفرار عبر النفق عن هروب 57 ألماني شرقي نحو القسم الغربي من برلين.
وخلال الأيام التالية، أطلق الألمان اسم النفق 57، نسبة لعدد الفارين من ألمانيا الشرقية، على مكان أضحى وصمة عار بوجه ألمانيا الشرقية التي عجزت عن توفير ظروف حياة ملائمة لمواطنيها وفشلت تزامنا مع ذلك في منعهم من الهروب.