بثلاثينيات القرن الماضي، عاشت أوكرانيا على وقع أسوأ مجاعة على مر تاريخها. ففي غضون عامين فقط، أسفر النقص الفادح في المواد الغذائية عن وفاة ملايين الأشخاص أثناء فترة مرت خلالها العديد من الجمهوريات السوفيتية بأزمة غذائية تسببت فيها أساسا السياسات الستالينية.
إلى ذلك، لقبت المجاعة الأوكرانية بالقرن الماضي بالهولودومور (Holodomor) وهي الكلمة التي تترجم أحيانا لوباء الجوع أو القتل بالتجويع للإشارة لهذه المجاعة المفتعلة من قبل النظام السوفيتي ضد الأوكرانيين الذين قطنوا حينها بجمهورية أوكرانيا الإشتراكية السوفيتية التي مثلت لحدود عام 1991 جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
قرارات ستالين والتنظيم الجماعي للزراعة
وتعود أصول هذه المجاعة لقرارات التنظيم الجماعي بالمجال الزراعي التي اتخذها جوزيف ستالين عام 1929. فخلال تلك الفترة، أجبر المتعصبون الشيوعيون وأفراد المديرية السياسية المشتركة للدولة الفلاحين الأوكرانيين على تسليم أراضيهم وممتلكاتهم، وأحيانا منازلهم، للدولة والاعتماد على الزراعة المشتركة. وإضافة لذلك، لم يتردد النظام السوفيتي في ترحيل الكولاك (kulaks)، أي الفلاحين الأثرياء، وكل من رفض سياسة الزراعة المشتركة نحو مناطق نائية من البلاد للعمل بمعسكرات العمل القسري في ظروف قاسية.
في الأثناء، أسفرت هذه السياسة الستالينية عن تراجع حاد بالمحاصيل متسببة بذلك في بداية ظهور المجاعة بالمدن والقرى الأوكرانية.
أمام هذا الوضع، عبّر الأوكرانيون عن غضبهم من السياسات الستالينية واتجهوا لتنظيم احتجاجات سرعان ما تحولت بعدد من المناطق لثورات مسلحة ضد السلطات السوفيتية. ومن جهته، عبّر ستالين عن قلقه الشديد مما يحصل بأوكرانيا. ومن خلال مراسلته لرفيقه المقرب بالحزب الشيوعي لازار كاغانوفيتش (Lazar Kaganovich) تحدث ستالين عن خطورة الوضع بأوكرانيا مؤكدا على ضرورة التحرك بسرعة لتجنب فقدان هذه الجمهورية السوفيتية المصنفة كإحدى أهم المناطق المنتجة للحبوب بأوروبا.
أيضا، تخوف ستالين من أوكرانيا بسبب ماضيها أثناء الحرب الأهلية الروسية حيث قاتل العديد من الأوكرانيين حينها ضد الجيش الأحمر وكسبوا خبرة كبيرة على ساحات المعارك.
ملايين الضحايا
وبخريف عام 1932، اتخذ ستالين والمكتب السياسي للحزب الشيوعي جملة من القرارات ضد أوكرانيا. وبناء على ذلك، وضعت المدن والقرى والمزارع الأوكرانية على القائمة السوداء ومنعت من تلقي الغذاء كما منع الفلاحون من مغادرة الأراضي الأوكرانية للبحث عن الطعام تزامنا مع مصادرة كميات هامة من المحاصيل التي عمدوا لإخفائها بأقبية منازلهم.
وبحلول فصل الشتاء، صعّد المسؤولون السوفيت سياستهم ضد أوكرانيا فعمدوا لمهاجمة منازل الفلاحين وصادروا كل الأغذية المتوفرة بها. وقد تراوحت المواد المصادرة حينها بين الحبوب وعلف الحيوانات.
أسفرت هذه السياسة السوفيتية عن تزايد حدّة المجاعة بأوكرانيا التي كانت مثلت حينها أكثر المناطق المتضررة من هذه الكارثة. فبناء على الإحصائيات، فارق 5 ملايين شخص الحياة بسبب المجاعة بجمهوريات الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1931 و1934. وقد مثلت حينها أوكرانيا أكثر المناطق تضررا، حيث بلغ عدد الضحايا بها حوالي 3.9 مليون نسمة وهو ما يعادل نحو 13% من سكانها بتلك الفترة.
ولسد رمقهم ومواجهة الجوع الذي تفشى بسبب شح المواد الغذائية، لم يتردد العديد من الأوكرانيين في أكل لحوم أقربائهم المتوفين ونبش القبور الحديثة.
تزامنا مع انتشار أخبار المجاعة الأوكرانية بالصحف العالمية، نظّم الاتحاد السوفيتي زيارات لشخصيات سياسية غربية بالمدن الأوكرانية.
ولإخفاء حقيقة ما يحصل بأوكرانيا، أجرى المسؤولون السوفيت حملات تنظيف تم خلالها جمع الجثث المتناثرة بالمدن المزمع زيارتها كما جلبوا أطفالا من مدن سوفيتية أخرى ونشروهم بالشوارع تزامنا مع منحهم قطعا من الخبز والجبن لحملها بين أيديهم أملا في إخفاء ما يتم تناقله عن النقص الحاد بالمواد الغذائية.