مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 60 مليون قتيل، وجدت البشرية نفسها أمام تحد جديد تمثل في الحرب الباردة التي اعتبرت نوعاً من الصراع غير المعلن والحروب بالوكالة بين الحلفاء السابقين. فبينما تشكّل المعسكر الغربي الذي ضم الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها، ظهر المعسكر الشرقي المتألف من الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا التي حررها الجيش الأحمر في وقت سابق من قبضة الألمان.
إلى ذلك، تصاعد الخلاف بين المعسكرين عقب عدد من الأزمات أواخر الأربعينيات حيث عمد الحلفاء الغربيون على توحيد مناطق نفوذهم بألمانيا معلنين عن ظهور جمهورية ألمانيا الاتحادية واتجهوا في الآن نفسه لسك عملة موحدة متسببين بذلك في بداية حصار برلين. أيضا، اتجه الحلفاء الغربيون لإعلان نشأة حلف شمال الأطلسي الذي مثّل نظاما للدفاع الجماعي اتفقت من خلاله الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية. وكرد على ذلك، أنشأ السوفيت جمهورية ألمانيا الديمقراطية بالقسم القابع تحت نفوذهم من ألمانيا، وعمدوا منتصف الخمسينيات لبعث حلف وارسو لمقارعة حلف شمال الأطلسي.
طريقة اقتبست من الألمان
مع نجاح أولى التجارب النووية السوفيتية عام 1949، اتخذت الحرب الباردة منحى جديدا حيث اكتسب كلا المعسكرين هذا السلاح الذي تابع العالم عن كثب آثاره المدمرة بكل من هيروشيما وناغازاكي أواخر الحرب العالمية الثانية. وأمام هذا الوضع، لجأت الدول الغربية والشرقية للبحث عن طرق لتقليص عدد الضحايا في حال نشوب نزاع نووي عن طريق بناء ملاجئ وبعث فرق تدخل سريع لمساعدة المصابين حال وقوع ضربة نووية.
في الأثناء، اتجهت بعض الولايات الأميركية لاعتماد إجراء فريد من نوعه لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين عند وقوع هجوم نووي. وقد اقتبس هذا الإجراء من طريقة سابقة اعتمدتها قوات الأس أس (SS) الألمانية بالحرب العالمية الثانية.
ففي خضم هذا النزاع العالمي، حمل عناصر فرق الأس أس الألمانية وشما صغيرا، بلغ طوله 7 ميليمترات، أسفل أذرعهم اليسرى اعتمد لتحديد فصيلة دمائهم. ومن خلال ذلك، حاول المسؤولون بفرق الأس أس تسهيل عمل الأطباء وإنقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين عن طريق مدهم بشكل سريع بكميات الدم اللازمة دون إضاعة الوقت في البحث عن فصيلة دم المصاب أو إجراء فحوصات وتحاليل جديدة له.
برنامج تات-تايب
أثناء الخمسينيات، ظهر بعدد من الولايات الأميركية برنامج تات-تايب (Tat-Type) الذي سمح للأميركيين بحمل وشم على أجسادهم لتحديد نوع دمهم. وقد امتد هذا البرنامج ليشمل الأطفال الذين حصلوا أيضا، بعد موافقة أوليائهم، على وشم مماثل بالجانب الأيسر من صدورهم بهدف تسهيل عملية إسعافهم عقب هجوم نووي محتمل. وقد جاء هذا الإجراء حينها تزامنا مع تزايد حدة الخلاف مع السوفيت بسبب الحرب الكورية وظهور حلف شمال الأطلسي.
في نفس السياق، اعتمد هذا البرنامج لتسهيل عمليات التبرع بالدم بالنسبة للبالغين عند إقبالهم على مراكز التبرع في حال سقوط أعداد هامة من ضحايا وتراجع مخزون البلاد بشكل مفاجئ خاصة مع تواصل المشاركة الأميركية بالحرب الكورية. من ناحية أخرى، مثّل الطفل بول بايلي (Paul Bailey)، من مدينة ميلفورد (Milford) بولاية يوتا (Utah)، أصغر من حمل هذا الوشم. فبعد ساعتين فقط عن ولادته، حصل الأخير على وشم حدد فصيلة دمه.
إلى ذلك، اعتبر الطبيب الأميركي أندرو إيفي (Andrew Ivy) أبرز المؤيدين لبرنامج تات-تايب عقب شهادته بمحاكمات نورمبرغ ضد المسؤولين النازيين وملاحظته لهذه التقنية على أجساد أفراد الأس أس. وقد سجل برنامج تات-تايب انتشارا واسعا بولايتي يوتا وأنديانا اللتين اتجهتا لوضع هذا الوشم على الأطفال بالمدارس. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لتوسيع برنامج تات-تايب على بقية الولايات، طبّق الأخير بكل من يوتا وأنديانا فقط.