خلال الحرب العالمية الأولى، كان عدد النساء اللوات حملن السلاح للقتال مع الجيوش النظامية ضئيلا جدا مقارنة بالعدد الهائل للرجال الذين تواجدوا على مختلف جبهات القتال. فخلال فترة حرمت أثناءها النساء من حق الانتخاب بكل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، اقتصر دور المرأة في الحرب على تعويض الرجال، الذين أرسلوا نحو الجبهة، بمصانع الأسلحة والعمل كممرضات لإسعاف ومساعدة المصابين.
إلى ذلك، لم تنطبق هذه القاعدة على فلورا ساندس (Flora Sandes) التي قدّر عمرها بنحو 38 عاما يوم وقوع حادثة سراييفو واغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند الذي انجر عنه اندلاع الحرب بأوروبا. فخلافا للنساء البريطانيات، حملت هذه المرأة السلاح وقاتلت على الجبهة لتكون بذلك المرأة البريطانية الوحيدة التي أصبحت جندية وشاركت بالعمليات القتالية خلال الحرب العالمية الأولى.
فتاة تميزت بروح المغامرة
ولدت فلورا ساندس يوم 22 يناير 1876 بقرية ناثر بابلتون (Nether Poppleton) بمقاطعة شمال يوركشاير (North Yorkshire) بشمال شرق إنجلترا لعائلة من الطبقة المتوسطة. ومنذ طفولتها، تميّزت فلورا ساندس بروح المغامرة وأبدت خلال شبابها إعجابا شديدا بركوب الخيل والصيد واستخدام البنادق واتجهت فيما بعد لتدخين السجائر مثيرة بذلك استغراب كثير من المحيطين بها.
لاحقا، انتقلت فلورا ساندس نحو لندن حيث عملت كسكرتيرة قبل أن تغادر إنجلترا لتعمل بالقاهرة، بمصر التي كانت حينها تحت الحماية البريطانية، واتجهت فيما بعد للاستقرار لفترة بكل من كندا والولايات المتحدة الأميركية حيث تمكنت من قتل شخص أثناء دفاعها عن نفسها.
مع عودتها لإنجلترا، التحقت فلورا بأحد نوادي الرماية كما انضمت لبرنامج تكوين الممرضات حيث تعلمت الإسعافات الأولية.
تطوع بالجيش الصربي
عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى، تطوعت فلورا ساندس للعمل مع خدمات إسعاف سانت جون (St John Ambulance Service) واتجهت للسفر نحو صربيا، حليفة البريطانيين والروس والفرنسيين بالنزاع العالمي، أين عملت كممرضة وساهمت في تقديم الخدمات للعديد من الجنود المصابين تزامنا مع نقلها للعمل ضمن فرق الصليب الأحمر الصربي.
مع تقدم القوات النمساوية والألمانية وارتفاع خسائرها، احتاج الجيش الصربي لمزيد من المتطوعين. وأمام هذا الوضع، قررت فلورا ساندس، التي أتقنت اللغة الصربية، استغلال هذه الفرصة للتطوع بالجيش والقتال على الجبهة خاصة مع فتح الجيش الصربي باب التطوع للنساء.
أثناء الحرب، نالت فلورا ساندس رتبة رقيب أول وشاركت بالعديد من المعارك كانت أهمها معركة بيتولا (Bitola) بمقدونيا. وقد تعرضت الأخيرة خلال هذه المعركة لإصابات وأرسلت نحو المستشفى عقب سقوط قذائف بالقرب منها. وكتكريم لها على جهودها، حصلت فلورا ساندس على وسام نجمة كاراجوردييف (Karađorđe’s Star) المصنف كأهم وسام عسكري بالجيش الصربي حينها.
اعتقلت من قبل النازيين
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، عادت فلورا ساندس لإنجلترا جيث أصبحت مشهورة واعتبرت المرأة البريطانية الوحيدة التي شاركت بالعمليات القتالية على الجبهة أثناء الحرب. لاحقا، عادت هذه المرأة ليوغوسلافيا، التي أصبحت صربيا جزء منها، وتزوجت من أحد رفاقها القدامى بالجيش قبل أن تنطلق في رحلة قادتها نحو العديد من الدول.
أثناء الحرب العالمية الثانية، اعتقلت فلورا ساندس من قبل النازيين وظلت لفترة بالسجن عقب سقوط يوغوسلافيا. ومع نهاية هذا النزاع وهزيمة ألمانيا، عانت الأخيرة من مشاكل مادية وفارقت الحياة سنة 1956 عن عمر يناهز 80 عاما.
عام 2009، ردت صربيا الاعتبار لهذه المرأة البريطانية وأطلقت اسمها على أحد شوارع العاصمة بلغراد.