أواخر الحرب العالمية الثانية، مرت ألمانيا بواحدة من أكثر الفترات الدامية منذ إعلان الوحدة الألمانية يوم 18 يناير 1871 في خضم الحرب البروسية الفرنسية. فإضافة لعمليات القصف المدفعي السوفيتي المكثف على المناطق الألمانية والخسائر البشرية المرتفعة على جبهات القتال، استخدم الحلفاء القنابل الحارقة لتدمير مدن صناعية ألمانية كدرسدن (Dresden) التي احترقت بشهر شباط/فبراير 1945 تزامنا مع مقتل ما يزيد عن 30 ألفا من سكانها.
وبالبحار، تحولت السفن الألمانية، حتى المدنية منها، لهدف مشروع للبحرية السوفيتية. وإضافة لسفينة غويا (Goya) التي أغرقت منتصف نيسان/أبريل 1945، استهدفت الغواصات السوفيتية خلال نفس العام السفينة الألمانية فيلهلم غوستلوف (Wilhelm Gustloff) متسببة بذلك في أسوأ كارثة بحرية بالتاريخ الإنساني.
فيلهلم غوستلوف
إلى ذلك، ظهرت سفينة فيلهلم غوستلوف للعالم يوم 5 أيار/مايو 1937 بمدينة هامبورغ الألمانية. وقد صممت هذه السفينة التي بلغت تكلفتها 25 مليون رايخ مارك لتخليد ذكرى قائد الحزب النازي السويسري فيلهلم غوستلوف الذي اغتيل بمدينة دافوس (Davos) عام 1936.
وبناء على تصاميم تلك الفترة، مثلت فيلهلم غوستلوف واحدة من أكبر السفن المدنية بألمانيا حيث بلغ طولها 208 أمتار وقدّر عرضها بحوالي 24 مترا كما صممت الأخيرة حينها لنقل حوالي 1865 راكبا على متنها.
أواخر الثلاثينيات، قادت السفينة فيلهلم غوستلوف العديد من الرحلات المدنية. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحوّلت الأخيرة لسفينة مستشفى استخدمت لنقل الجرحى بالحملة العسكرية على النرويج قبل أن يتم تحويلها فيما بعد لثكنة عسكرية عائمة.
9400 ضحية
مطلع العام 1945، فقد أغلب الألمان الثقة بقياداتهم العسكرية وتيقّنوا من الهزيمة بالحرب. ومع تواصل تقدّم القوات السوفيتية على الجبهة الشرقية، لجأ عدد هائل من الألمان للفرار من مناطق بروسيا الشرقية خوفا من أعمال انتقامية قد يمارسها الجيش الأحمر ضدهم. وأواخر شهر يناير/جانفي 1945، لجأ عدد كبير من اللاجئين والجرحى والجنود الألمان لركوب سفينة فيلهلم غوستلوف أملا في بلوغ هامبورغ قبل قدوم السوفييت.
وبينما خصصت فيلهلم غوستلوف لاستقبال 1865 راكبا فقط، صعد يوم 30 يناير 1945 ما يزيد عن 10 آلاف ألماني على متن هذه السفينة التي حاولت التنقل خلسة عبر بحر الشمال المليء بالغواصات السوفيتية.
خلال الليل، أمر قائد السفينة فيلهلم غوستلوف بفتح الأضواء بعد سماعه أخبارا تفيد بوجود عدد من كاسحات الألغام البحرية بالمنطقة. ومن خلال ذلك، حاول الأخير إرسال نوع من الإشارات التحذيرية لتجنب اصطدام سفينته بسفن أخرى قد تبحر بالمنطقة. لكن ولسوء حظ ركاب فيلهلم غوستلوف، تواجدت الغواصة السوفيتية أس 13 (S13) بالمكان.
وتزامنا مع ملاحظته لحركة السفينة الألمانية، أمر قبطان الغواصة السوفيتية ألكسندر مارينسكو (Alexander Marinesko) بتحضير 4 طربيدات، أطلق عليها تباعا أسماء من أجل الوطن ومن أجل ستالين ومن أجل الشعب ومن أجل لينينغراد، لاستهداف فيلهلم غوستلوف.
إلى ذلك، تعرضت السفينة الألمانية، التي افتقرت للدروع الكافية كونها سفينة مدنية، لإصابة مباشرة حيث اخترق على الأقل طربيدان دروعها وانفجرا عند غرفة المحركات.
خلال أقل من ساعة، غاصت السفينة فيلهلم غوستلوف نحو القاع ساحبة معها الآلاف من الأشخاص ممن وجدوا أنفسهم عالقين بالمياه الباردة أثناء ليلة بلغت خلالها درجة الحرارة 15 درجة تحت الصفر.
وعلى حسب التقديرات، فارق ما لا يقل عن 9400 ألماني، أغلبهم من المدنيين، الحياة خلال هذه الحادثة التي تحولت لأسوأ كارثة بحرية بتاريخ الإنسانية.