عقب وفاة فلاديمير لينين (Vladimir Lenin) يوم 21 يناير 1924، احتاج جوزيف ستالين لبضع سنوات ليتمكن من إحكام قبضته على الاتحاد السوفيتي تزامنا مع تخلّصه من خصومه السياسيين وعلى رأسهم ليون تروتسكي (Leon Trotsky) الذي نفي خارج البلاد عام 1929 بناء على قرار من المكتب السياسي.
وأثناء فترة إدارته لشؤون الاتحاد السوفيتي التي استمرت لنحو ربع قرن، تسبب ستالين في مقتل ما لا يقل عن 20 مليون شخص بسبب الإعدامات المباشرة والمجاعة ومراكز العمل القسري وعمليات التهجير. ومن ضمن هؤلاء الذين تم ترحيلهم، يذكر التاريخ الشيشانيين والإنغوش. ففي خضم الحرب العالمية الثانية، وافق ستالين على تهجير أعداد كبيرة منهم متسببا في وفاة عشرات الآلاف.
تمرد ضد السياسة الستالينية
بالقرن الماضي، رفض الشيشانيون السياسات الستالينية التي اتجه النظام السوفيتي لفرضها بمناطقهم ما بين العشرينيات والثلاثينيات. وأمام تفاقم المشكلة الشيشانية حينها، لجأت موسكو لدمج أراضي الشيشانيين والإنغوش بجمهورية واحدة تمتعت بحكم ذاتي عام 1936.
إلى ذلك، شهدت مناطق جمهورية الشيشان – إنغوشيتيا الاشتراكية السوفيتية ذات الحكم الذاتي تمردا عام 1940. وبعدها بعامين، شهدت نفس المنطقة عام 1942، في خضم الحرب العالمية الثانية التي أصبح الاتحاد السوفيتي جزءا منها عقب عملية بربروسا، تمردا آخر بمقاطعات بشاتويسكي وإيتوم كالينسكي. وفي الأثناء، كثّفت الطائرات السوفيتية خلال نفس العام عمليات قصفها على جمهورية الشيشان – إنغوشيتيا الاشتراكية السوفيتية ذات الحكم الذاتي عقب حصولها على معلومات بإرسال الألمان لمظليين بهدف تأجيج الصراع بالمنطقة.
150 ألف ضحية
أمام تفاقم الوضع بمناطق جمهورية الشيشان – إنغوشيتيا الاشتراكية السوفيتية ذات الحكم الذاتي، عرض قائد المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية لافرينتي بيريا (Lavrentiy Beria) على جوزيف ستالين عام 1943 فكرة ترحيل نسبة كبيرة من الشيشانيين والإنغوش نحو مناطق نائية من البلاد. وخوفا من إمكانية توسع التمرد نحو مدن سوفيتية أخرى يقطنها مسلمون، وافق ستالين على اقتراح بيريا مانحا إياه الضوء الأخضر لبدء عملية التهجير.
بدأت التحضيرات لعملية التهجير بالاتحاد السوفيتي منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 1943. ولإتمامها، حشد لافرينتي بيريا نحو 20 ألف عسكري إضافة لما يزيد عن 100 ألف عنصر من عناصر المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية.
يوم 23 شباط/فبراير 1944، حل لافرينتي بيريا رفقة قواته بشمال القوقاز ليبدأ بعملية النقل القسري لما يزيد عن 500 ألف من الشيشانيين والإنغوش نحو مناطق نائية من جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفيتية وجمهورية قيرغيزستان الاشتراكية السوفيتية. وفي خضم هذه العملية، أصدر بيريا أوامر صارمة لجنوده بإعدام كل شخص غير قادر على السفر.
إلى ذلك، حلّت القوات السوفيتية بالمنطقة مرفوقة بعدد من الشاحنات التي جمّع الشيشانيون والإنغوش بداخلها لتسهيل نقلهم نحو عربات القطار التي تكفّلت بعملية تهجيرهم.
وفي خضم هذه الرحلة الشاقة، تفشّت المجاعة والأمراض في صفوف المهجّرين. وقد أسفر كل ذلك عن وفاة ما لا يقل عن 150 ألفا من الشيشانيين والإنغوش، حسب تقارير تلك الفترة بينما رجّحت مصادر شيشانية أن يكون العدد أكبر من ذلك.
استمرت عملية تهجير الشيشانيين والإنغوش لنحو 13 عاما. فعقب وفاة ستالين، ألغى نيكيتا خروتشوف (Nikita Khrushchev)، الذي اتجه للقطع مع السياسات الستالينية، قرار التهجير سامحا بذلك للشيشانيين والإنغوش بالعودة لمناطقهم.
بعد مضي 60 عاما عن هذه الحادثة، وافق البرلمان الأوروبي عام 2004 على تصنيف عملية تهجير الشيشانيين والإنغوش عام 1944 كإبادة.