عقب انهيار المفاوضات الفنلندية السوفيتية، لم يتردد الاتحاد السوفيتي يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939 في مهاجمة الأراضي الفنلندية معلنا بذلك بداية حرب الشتاء. فطيلة الأشهر السابقة، حاول السوفيت جاهدين إقناع الفنلنديين بتسليمهم عددا من الأراضي الحدودية والمناطق المطلة على البلطيق بهدف تأمين مدينة لينينغراد من هجوم ألماني مستقبلي. وأمام الرفض الفنلندي، زجّ الاتحاد السوفيتي بأكثر من نصف مليون جندي، مدعومين بآلاف الدبابات والطائرات، في حرب طاحنة ضد فنلندا استمرت لأكثر من 3 أشهر وأسفرت عن سقوط مئات آلاف القتلى والجرحى بالجانب السوفيتي.
إلى ذلك، أثار التدخل العسكري السوفيتي ضد فنلندا غضب المجتمع الدولي الذي أدان أغلبه هذا الغزو. فضلا عن ذلك، واجه السوفيت جملة من الإجراءات التي جاءت لتزيد من عزلة هذه الدولة التي عانت من مصاعب في التأقلم مع المجتمع الدولي منذ فترة الثورة البلشفية.
طرد السوفيت من عصبة الأمم
أثناء فترة الثلاثينيات، لم تتردد العديد من الدول في مغادرة منظمة عصبة الأمم طواعية. فمع بلوغه سدّة الحكم عام 1933، أعلن أدولف هتلر رحيل ألمانيا عن هذه المنظمة، التي ظهرت عام 1920 لفض الخلافات وحل النزاعات سلميا، متهما إياها بحماية بنود معاهدة فرساي ومؤكدا على فشل سياسة الأمن الجماعي. وخلال نفس الفترة، لجأت إمبراطورية اليابان للانسحاب من عصبة الأمم عقب صدور قرارات أدانت غزوها لمنشوريا الصينية. وعقب الغزو الإيطالي لأثيوبيا عام 1935، فرضت عصبة الأمم جملة من العقوبات على الإيطاليين.
وكرد على ذلك، سحب الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني عضوية بلاده من هذه المنظمة. وفي الأثناء، التحقت إسبانيا عام 1939 بقطار الدول التي غادرت عصبة الأمم حيث وافق الدكتاتور الإسباني فرانكو على إنهاء وجود إسبانيا ضمن المنظمة تزامنا مع انتصاره بالحرب الأهلية الإسبانية.
وفي غضون ذلك، كانت مسألة الاتحاد السوفيتي فريدة من نوعها مقارنة بهذه الدول. فمع بداية حرب الشتاء، أدانت عصبة الأمم الغزو السوفيتي لفنلندا واعتبرته غير قانوني. وكرد على ذلك، طرد الاتحاد السوفيتي من المنظمة وسحبت عضويتيه بشكل رسمي.
ويوم 26 كانون الأول/ديسمبر 1939، أدان البابا بيوس الثاني عشر (Pius XII) الاتحاد السوفيتي وقائدة جوزيف ستالين ووصف تدخل الجيش الأحمر بفنلندا بالظالم.
مساعدات دولية لفنلندا
وفي الأثناء، عبّرت دول عديدة عن استيائها وإدانتها للهجوم السوفيتي واتجهت لمساعدة الفنلنديين. فبالمجر، وافق المسؤولون السياسيون على تقديم دعم عسكري ومادي، بشكل سري، لفنلندا عن طريق إرسال كميات هامة من الأسلحة إليها عن طريق منظمات غير حكومية وأفراد غير محسوبين على الدولة. فضلا عن ذلك، سهّلت السلطات المجرية عبور المئات من المتطوعين المجريين نحو فنلندا للقتال ضد الجيش الأحمر.
وبإيطاليا، اتجه الفاشيون لإرسال السلاح للفنلنديين تماما كما فعلوا في وقت سابق بالحرب الأهلية الإسبانية عندما دعموا نظام فرانكو. وإضافة للأعداد الهامة من المتطوعين، أرسلت إيطاليا أكثر من 90 ألف بندقية أم 1938 (M1938) وكميات كبيرة من الذخيرة لدعم قوات المشاة الفنلندية. وفي المقابل، فضّل الألمان الحفاظ على موقف الحياد بسبب اتفاقية عدم الاعتداء الموقعة مع السوفيت خلال شهر آب/أغسطس 1939.
وتزامنا مع مرور نحو ألف دنماركي للقتال ضد الجيش الأحمر، سمحت النرويج للعديد من المتطوعين بالالتحاق بالقوات الفنلندية كما وفّرت بنادق وبعض قطع مدفعية للجيش الفنلندي ووافقت على تدريب عدد من الطيارين الفنلنديين على أراضيها.
من جانب آخر، وفرت السويد دعما كبيرا للفنلنديين. فعلى الرغم من اتخاذها لموقف الحياد بالنزاع، سمحت السويد بمرور نحو 8700 من مواطنيها للقتال لجانب الفنلنديين كما قدّمت 135 ألف بندقية وبعض الطائرات الحربية والمدافع لفنلندا. وبناء على تقارير تلك الفترة، قدمت السويد نحو ثلث عتادها العسكري لدعم جارتها فنلندا.
وإضافة لكل الدعم الذي قدّمته هذه الدول، أرسلت كل من بريطانيا وفرنسا عشرات الطائرات وقاذفات القنابل للفنلنديين كما أعدّتا خطة مشتركة، على الرغم من تواصل الحرب ضد ألمانيا، لإرسال قوات مشتركة تكونت من نحو 100 ألف عسكري لدعم الفنلنديين. لاحقا، ألغيت هذه الخطة تزامنا مع نهاية الحرب خلال آذار/مارس 1940.
وبالولايات المتحدة الأميركية، عبّر أصحاب عدد من الشركات عن رفضهم للغزو السوفيتي ورفضوا بيع منتجاتهم لموسكو. فضلا عن ذلك، شكّل الرئيس السابق هيبرت هوفر (Herbert Hoover) لجنة لجمع التبرعات لمساعدة الشعب الفنلندي.