بالقرن الماضي.. دولة شيوعية عارضت السوفيت وستالين وصمدت

بالقرن الماضي، لم تكن العلاقات الدبلوماسية في أغلبها جيدة بين مختلف القوى الشيوعية التي برزت عقب الحرب العالمية الثانية. فعقب وفاة جوزيف ستالين عام 1953، نشب خلال العام 1956 خلاف حاد بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي بسبب الأيديولوجيا والاختلافات العقائدية حول تفسير وتطبيق الماركسية اللينينية. وقد تطور هذا الخلاف أكثر تزامناً مع اعتماد القائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف لسياسة اجتثاث الستالينية التي اتجهت للقطع مع الماضي.

وقبل الخلاف الصيني السوفيتي، نشبت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية خلافات بين القائد السوفيتي جوزيف ستالين ونظيره اليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو (Josip Broz Tito) بسبب رفض الأخير لسياسة الاتحاد السوفيتي تجاه بلده.

فخلال الحرب العالمية الثانية، اجتاحت قوات المحور مملكة يوغوسلافيا يوم 6 أبريل 1941 وتمكنت من احتلال البلاد في غضون 11 يوماً فقط تزامناً مع فرار أعضاء الحكومة اليوغوسلافية نحو لندن. وفي خضم هذه الأحداث، اقتسمت الأراضي اليوغوسلافية بين كل من ألمانيا وإيطاليا وبلغاريا والمجر، وقد ظلت العاصمة بلغراد قابعة تحت سيطرة الألمان، كما أعلِن عن نشأة جمهورية كرواتيا المستقلة التي تمركزت بها القوات الألمانية والإيطالية.

واحتراما لاتفاقية مولوتوف ريبنتروب الموقعة مع الألمان خلال شهر أغسطس 1939، قطع الاتحاد السوفيتي علاقاته الدبلوماسية بحكومة يوغوسلافيا بالمنفى واتجه في المقابل لدعم تشكيل وإعادة هيكلة حركات عمالية بهذه المناطق التي احتلها الألمان.

وعلى الرغم من دخولهم الحرب العالمية الثانية رسمياً ضد الألمان يوم 22 يونيو 1941 عقب عملية بربروسا (Barbarossa)، لم يقدم السوفيت دعماً كبيراً للمقاومين الشيوعيين في يوغوسلافيا بقيادة المارشال جوزيب بروز تيتو. وفي الأثناء، قاوم اليوغوسلافيون بأنفسهم وتمكنوا من طرد الألمان وحلفائهم من البلاد اعتماداً على الإمكانيات المتوفرة لديهم.

وبسبب ذلك، اتجه جوزيب بروز تيتو للحفاظ على استقلالية بلاده في فترة ما بعد الحرب، مؤكداً على ضرورة ابتعادها عن سياسة بقية دول المعسكر الشرقي التي تحكم بها السوفيت.

إلى ذلك، قدّم الاتحاد السوفيتي معونة هامة لإعادة بناء يوغوسلافيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي المقابل، فضّل جوزيب بروز تيتو إبقاء بلاده بمنأى عن السياسة السوفيتية التي سعت للتحكم بجميع الدول الشيوعية. ومنذ البداية، قدم تيتو اقتراحات بإنشاء اتحاد بين الدول الشيوعية في البلقان يضم بالإضافة لبلاده كلاً من جمهورية بلغاريا الشعبية وجمهورية ألبانيا الشعبية.

ومع ظهور الكومنفورم (Kominform) الشيوعي عام 1947، مثّل تيتو شخصية هامة قارعت جوزيف ستالين على سيادة العالم الشيوعي خاصة مع إرساله قوات يوغوسلافية بشكل منفرد دون استشارة الاتحاد السوفيتي، نحو ألبانيا أثناء الحرب الأهلية اليونانية.

عام 1948، توترت العلاقات بشكل سريع بين كل من ستالين وتيتو. وفي مطلع هذا العام، أدانت صحيفة البرافدا السوفيتية مشروع اتحاد الدول الشيوعية في البلقان. ومع حلول شهر مارس، انتقد الحزب الشيوعي السوفيتي نظيره اليوغسلافي واتهمه بعدم تطبيق سياسة ديمقراطية. وخلال مايو من نفس العام، اتهم المسؤولون الشيوعيون السوفيت رفاقهم اليوغسلافيين بالتنكر لدور الجيش الأحمر في تحرير يوغوسلافيا وهو الأمر الذي رفضه تيتو متهماً السوفيت باحتقار وتقزيم المقاومة اليوغوسلافية.

أواخر يونيو 1948، رفض تيتو حضور مؤتمر الكومنفورم. وكرد على ذلك، أدانت بقية الأحزاب الشيوعية بالمعسكر الشرقي يوغوسلافيا وأقصت الحزب الشيوعي اليوغوسلافي من المنظمة متهمةً إياه باتباع ميول قومية.

ومع ظهور هذا الانشقاق بالصف الشيوعي، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية للتدخل ضمن سياق الحرب الباردة. وعام 1949، سعى الأميركيون لمنح يوغوسلافيا مقعداً بمجلس الأمن. فضلاً عن ذلك، وفّرت الإدارة الأميركية مساعدات اقتصادية هامة، بدعم من الرئيس هاري ترومان وبموافقة الكونغرس، ليوغوسلافيا مثيرةً بذلك قلق الاتحاد السوفيتي.

وعلى الرغم من تأييدهم للتدخل السوفيتي بالمجر عام 1956، أدان اليوغوسلافيون عام 1968 دخول القوات السوفيتية لتشيكوسلوفاكيا ضمن أحداث ربيع براغ. وبفضل ذلك، تحسنت العلاقات بشكل جيد بين الأميركيين وتيتو الذي دعم سياسة عدم الانحياز بدول العالم الثالث مطالباً ببقائها بمنأى عن نزاعات الحرب الباردة.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: