ضمن سياسة شيوعية لجأ البلشفيون لمصادرة محاصيل الفلاحين بالقوة لتوفير الغذاء بالمدن عقب نجاح الثورة البلشفية واستيلاء لينين وأنصاره على الحكم، غاصت روسيا في أهوال الحرب الأهلية التي وضعت الشيوعيين البلاشفة في مواجهة مجموعات من الشيوعيين المعتدلين والمحافظين الديمقراطيين والقوميين والروس الذين التفوا حول ما عرف بالجيش الأبيض.
وقد استمرت هذه الحرب لأكثر من 5 سنوات وأسفرت عن سقوط نحو 12 مليون قتيل كان من ضمنهم حوالي 4 ملايين شخص ممن توفوا بسبب المجاعة والأمراض.
وفي خضم هذا النزاع، أقر البلاشفة نظام شيوعية الحرب واتجهوا بذلك لمصادرة كميات هائلة من المحاصيل لتلبية حاجيات المدن متسببين بذلك في حالة من الغضب والفوضى في صفوف الفلاحين الذين لم يحصلوا على أي تعويض مادي مقابل كميات الغذاء التي انتزعت منهم بالقوة.
مصادرة المحاصيل بالقوة
إلى ذلك، اتجه المسؤولون البلشفيون لتحديد كميات من المحاصيل توجبت على كل قرية، أو منطقة فلاحية، تقديمها للدولة ضمن سياسة شيوعية الحرب. وفي الأثناء، احتسبت هذه الكميات دون مراجعة ظروف المناطق الزراعية التي واجهت حينها تراجعا لنسبة محاصيلها بسبب حالة الحرب والظروف المناخية. فضلا عن ذلك، عمد كثير من الفلاحين لتقليص إنتاجهم للحبوب بسبب علمهم المسبق بحتمية مصادرتها من قبل البلشفيين دون منحهم أي تعويض مادي.
ولضمان حصولهم على كميات الحبوب المطلوبة، اعتمد البلشفيون على القوة حيث لم يتردد أفراد الجيش الأحمر وقوات التشيكا، أي هيئة الطوارئ الروسية لمكافحة الثورة المضادة والتخريب، بقيادة فيلكس دزيرجنسكي (Felix Dzerzhinsky) في تعنيف وإعدام كل من امتنع عن تسليم المحاصيل أو أخفاها داخل سراديب منزله.
إلى ذلك، أسفرت هذه السياسات الشيوعية عن تزايد حالة الغضب في صفوف الفلاحين الذين اتجهوا للثورة ضد لينين ورفاقه. وقد مثلت منطقة تامبوف (Tambov) الواقعة على بعد 480 كلم جنوب شرق موسكو أهم المناطق التي تمردت على الشيوعيين بعد أن ساندت في وقت سابق الثورة البلشفية بسب الوعود التي قدمها لينين للفلاحين.
200 ألف ضحية
وقد تزعّم الثوري والبلشفي السابق ألكسندر أنطونوف (Aleksandr Antonov) الثورة بتامبوف. فبعد أن ساند الثورة البلشفية في وقت سابق، ثار أنطونوف على سياسة مصادرة المحاصيل بالقوة التي اعتمدها البلشفيون. في الأثناء، قاد الأخير رفقة أتباعه العديد من الهجمات ضد فرق الجيش الأحمر ليتحول بذلك لبطل شعبي بين الفلاحين بالمنطقة. من ناحية أخرى، تلقى أنطونوف دعما كبيرا من الفلاحين والجنود المتمردين الذين انضموا إليه. وبفضل ذلك، شكّل هذا الشاب البالغ من العمر 30 عاما فرقة مسلحة مدربة بشكل جيد بلغ قوامها حوالي 50 ألف عنصر بحلول 1920.
ومع توسع رقعة الثورة نحو مناطق بسيبيريا وسامارا وتساريتسين، شكّل البلشفيون لجنة طوارئ وأرسلوا حوالي 30 ألف عسكري، مدعومين بالمدفعية والقطارات المدرعة، بقيادة الجنرال ميخائيل توخاتشيفسكي (Mikhail Tukhachevsky) لسحق أنطونوف وجماعته. فضلا عن ذلك، وافقت لجنة الطوارئ على إرسال فرق مدربة من قوات التشيكا لدعم توخاتشيفسكي وقيادة أعمال انتقامية ضد عائلات الفلاحين المتمردين بتامبوف.
أثناء عملية قمع ثورة تامبوف، لجأ توخاتشيفسكي لاستخدام السلاح الكيماوي عقب حصوله على موفقة لجنة الطوارئ والقيادة البلشفية على ذلك حيث أمر هذا الجنرال حينها بتوجيه هذا الغاز القاتل نحو الغابات لتطهيرها من الثوار المتحصنين بها. من ناحية أخرى، أنشأت قوات الجيش الأحمر والتشيكا معسكرات اعتقال حبست بداخلها أعداد كبيرة من المدنيين الذين اتهموا بدعم ثورة تامبوف والتعاطف مع ألكسندر أنطونوف. وإضافة للإعدامات العشوائية داخل هذه المعسكرات، توفي عدد كبير من المعتقلين بسبب سوء التغذية والأمراض والمعاملة القاسية.
ومع وصفها لأنطونوف ورفاقه باللصوص وقطاع الطرق، قادت قوات الجيش الأحمر حملة عسكرية شرسة أسفرت عن محاصرة ثوار تامبوف وإبادة أعداد كبيرة منهم. فبحلول أيلول/سبتمبر 1921، لم يتبقى من قوات أنطونوف سوى مجموعة صغيرة قدر تعدادها بنحو ألف عنصر. وقد عرفت هذه الثورة نهايتها رسميا منتصف سنة 1922. فيوم 24 حزيران/يونيو من ذلك العام، قتل ألكسندر أنطونوف على يد قوات التشيكا أثناء تبادل لإطلاق النار.
على حسب العديد من المصادر، أسفرت عملية القضاء على ثورة تامبوف عن مقتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص كانت النسبة الساحقة منهم من المدنيين. وقد كان من ضمن الضحايا عشرات الآلاف من الأشخاص الذين توفوا بداخل المعسكرات. فضلا عن ذلك، تم إحصاء نحو ألف حالة وفاة في صفوف الأطفال بهذه المعسكرات التي أشرفت عليها غالبا قوات التشيكا.