قبل بداية الاجتياح الألماني للأراضي البولندية واندلاع الحرب العالمية الثانية بنحو أسبوع، وقّع وزير الخارجية الألماني يواكيم فون ريبنتروب (Joachim von Ribbentrop) مع نظيره السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف (Vyacheslav Molotov) يوم 23 آب/أغسطس 1939، اتفاقية عدم اعتداء لتجنب اندلاع حرب ضد الاتحاد السوفيتي تزامنا مع بداية الغزو الألماني للأراضي البولندية.
وإيمانا منهم بحتمية دخولهم في حرب ضد بريطانيا وفرنسا تزامنا مع تقدمهم ببولندا، حاول الألمان من خلال هذه الاتفاقية تجنب سيناريو الحرب العالمية الأولى التي اضطروا خلالها للقتال على جبهتين.
إلى ذلك، ساهمت اتفاقية عدم الاعتداء، المعروفة أيضا باتفاقية مولوتوف ريبنتروب، في تحسين العلاقات بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي. وخلال الأشهر التالية، تجسّد هذا التحسن من خلال تضاعف حجم المبادلات التجارية مرات عديدة بين البلدين.
تبادل تجاري عبر أراضي بولندا المحتلة
منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، حظيت ألمانيا بعلاقات تجارية جيدة مع دول أميركا اللاتينية والولايات المتحدة الأميركية. فعلى حسب إحصائيات العام 1936، بلغت قيمة واردات ألمانيا من دول أميركا الجنوبية 536.5 مليون رايخ مارك، بينما قدرت قيمة الواردات الألمانية من الولايات المتحدة الأميركية بما يعادل 232.2 مليون رايخ مارك. وقد استوردت ألمانيا حينها حاجياتها النفطية أساسا من دول أميركا اللاتينية والولايات المتحدة الأميركية، كما حصلت على 52% من حاجياتها من الحديد من السويد. وفي مقابل ذلك، استورد الألمان ما قيمته 93.2 مليون رايخ مارك من الاتحاد السوفيتي.
مع اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية، سجلت قيمة المبادلات التجارية الألمانية السوفيتية تراجعا كبيرا. ففي خضم هذه الحرب، ساند النازيون، القوميين بقيادة فرانسيسكو فرانكو، بينما حبّذ السوفيت مساندة الجمهوريين. وبحلول العام 1938، تراجعت قيمة الواردات الألمانية من الاتحاد السوفيتي للنصف لتستقر في حدود 47.4 مليون رايخ مارك تزامنا مع الفتور الكبير في العلاقات بين الطرفين.
خلال شهر أيار/مايو 1939، تخوف الألمان من إمكانية انقطاع إمدادات الحديد والنفط، التي كانت ضرورية لدعم الصناعة الحربية، في حال اندلاع حرب ضد البريطانيين والفرنسيين وفرض البحرية البريطانية لحصار على ألمانيا. فضلا عن ذلك، أصيب المسؤولون النازيون بالذعر عند سماعهم لتقارير تفيد بامتلاك بلادهم لمخزون من النفط يكفي لفترة لا تتجاوز 3 أشهر. وأملا في تجاوز هذه الأزمة، وجّه الألمان نظرهم نحو الموارد الطبيعية للاتحاد السوفيتي.
قبل 4 أيام فقط عن اتفاقية مولوتوف ريبنتروب، وقّع السوفيت والألمان اتفاقية تجارية حصل بموجبها السوفيت على قرض بقيمة 200 مليون رايخ مارك لشراء معدات ثقيلة وسفن ووسائل نقل ألمانية مقابل أن يقوم الاحاد السوفيتي بسداد قيمة القرض عن طريق تزويد الألمان بالمواد الأولية كالنفط والمنغنيز. ومع نجاح عملية غزو بولندا واقتسامها بين السوفيت والألمان، اتفق الطرفان على زيادة حجم المبادلات التي وفرت لآلة الحرب الألمانية كميات هامة من النفط والحديد والحبوب التي نقلت عن طريق السكك الحديدة عبر الأراضي البولندية.
الالتفاف على الحصار البريطاني
خلال العام 1939، شهدت المفاوضات التجارية بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي تدهورا بسبب رفع السوفيت لسقف مطالبهم. فخلال تلك الفترة، اتجه السوفيت لشراء طائرات ألمانية وطالبوا بالحصول على طرادات من فئة الأدميرال هيبير، خاصة الطراد ووتزو (Lützow)، ومخططات صناعة البوارج من فئة بسمارك وهو الأمر الذي وصفه الألمان بالصعب.
خلال شهر شباط/فبراير 1940، باشر السوفيت والألمان بالتفاوض مجددا ليتوصلوا لاتفاقية وعد من خلالها السوفيت بتزويد الألمان بما يعادل 650 مليون رايخ مارك من المواد الأولية مقابل حصولهم على مساعدات ومواد تقنية عسكرية، كان من ضمنها أسلحة بحرية وطائرات وعربات قاطرة بقيمة 650 مليون رايخ مارك. أيضا، تعهد السوفيت بشراء مواد أولية أخرى، كالمطاط، من دول أخرى وتسليمها للألمان للالتفاف على الحصار الاقتصادي المفروض على ألمانيا. من ناحية أخرى، عبّر جوزيف ستالين عن رضاه عند سماعه لخبر قبول الألمان بتسليم السوفيت الطراد ووتزو وجانب من الوثائق السرية حول برنامج صناعة البوارج الحربية من فئة بسمارك.
ما بين 11 شباط/فبراير 1940 و22 حزيران/يونيو 1941 (تاريخ بداية الاجتياح الألماني للأراضي السوفيتية)، سلّم السوفيت للألمان 1.6 مليون طن من القمح، و900 ألف طن من النفط، و140 ألف طن من المنغنيز، و200 ألف طن من الفوسفاط، و500 ألف طن من الحديد، و18 ألف طن من المطاط، إضافة لكميات هامة من المواد الأولية الأخرى. وقد ساهمت هذه المواد الأولية السوفيتية في إفشال الحصار البحري البريطاني وساعدت الجيش الألماني على احتلال فرنسا وإجبارها على الاستسلام.
يوم 22 حزيران/يونيو 1941، أطلق الألمان العنان لعملية غزو الاتحاد السوفيتي واضعين بذلك حدا لهذه الاتفاقيات التجارية التي غذّت على مدار أشهر المصانع الحربية الألمانية موفرة لها المواد الأساسية لصناعة السفن والطائرات والدبابات.