مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1861، ظلت واشنطن عاصمة للولايات المتحدة الأميركية الممزقة حيث فضّل الشماليون، أي الاتحاد، الإبقاء عليها كمركز للسلطة السياسية للبلاد وحبّذوا عدم نقل مقر القيادة العسكرية لجيش الاتحاد منها. وعلى بعد حوالي 160 كلم جنوبا قرر الجنوبيون، أي الكونفدراليون، تركيز عاصمتهم الجديدة بمنطقة ريتشموند (Richmond) المصنفة كعاصمة لولاية فرجينيا.
في خضم هذه الحرب التي استمرت لأربع سنوات وأودت بحياة ما يزيد عن 650 ألف أميركي، مثّل سقوط إحدى هاتين العاصمتين نهاية الحرب بالنسبة لكثيرين. ولهذا السبب اتجه كلا الطرفين لتأمين عاصمته من أي هجوم محتمل.
ضرورة تأمين واشنطن
مع سقوط فورت سمتر (Fort Sumter) يوم 13 نيسان/أبريل 1861 وخروج فرجينيا عن الاتحاد، أصبحت العاصمة واشنطن مكشوفة للقوات الكونفدرالية. ولهذا السبب، لم يتردد الاتحاديون يوم 24 أيار/مايو 1861 في عبور نهر بوتوماك (Potomac) لاحتلال مرتفعات الإسكندرية (Alexandria) وأرلنغتون (Arlington) بفرجينيا.
ولتأمين العاصمة، شيّد الاتحاديون حصني رنيون (Runyon) وكوركوران (Corcoran) لمنع الكونفدراليين من استغلال المنطقة وتثبيت المدفعية عليها لاستهداف واشنطن. ومع خسارتهم لمعركة بول ران الأولى (First Battle of Bull Run)، المعروفة أيضا بمعركة ماناساس الأولى (Battle of First Manassas)، على بعد حوالي 50 كلم من واشنطن يوم 21 تموز/يوليو 1861، اقتنع الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن (Abraham Lincoln) وأعضاء الكونغرس بضرورة القيام بالمزيد لإنقاذ العاصمة.
حصون حول واشنطن
إلى ذلك، أوكلت مهمة تأمين وتحصين العاصمة واشنطن للجنرال والمهندس بجيش الاتحاد جون بارنارد (John Barnard). ومنذ البداية، اضطر الجنرال بارنارد للبحث عن طريقة لتطويق التصميم الذي وضعه منذ عشرات السنين المهندس المعماري بيير لانفانت (Pierre L’Enfant) لواشنطن.
وعقب جملة من الأبحاث، قرر جون بارنارد وضع تحصينات ترابية حول العاصمة وتطويقها بشكل كامل لمنع الكونفدراليين من دخولها من جميع الجهات.
طيلة شتاء 1861 1862، قاد الجنرال بارنارد فيلقا تكوّن من مهندسين وجنود عاديين وعبيد محررين وأسرى حرب لإنشاء 37 حصنا ترابيا طوّقت مسافة 56 كلم حول العاصمة واشنطن. وبنهاية الحرب، ارتفع عدد هذه الحصون الترابية حول واشنطن ليقارب 68 حصنا شيّدت بشكل جيد لتحمل ضربات المدفعية وحماية الجنود الاتحاديين خلفها. من ناحية أخرى، أمر الجنرال بارنارد بحفر خنادق بالمنطقة وزوّد القوات الاتحادية المرابطة بالحصون الواقعة بالمرتفعات بمئات المدافع.
في خضم الحرب، طالب الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن بتوفير ما لا يقل عن 30 ألف عسكري لحماية العاصمة. لكن بحلول العام 1864، كان هذا الأمر شبه مستحيل تزامنا مع إرسال الإمدادات نحو جبهات القتال. ولهذا السبب، اضطر الاتحاديون للاعتماد على 9 آلاف عسكري فقط للدفاع عن واشنطن.
خلال شهر تموز/يوليو 1864، عبر نحو 14 ألف جندي كونفدرالي نحو ماريلاند (Maryland) قبل أن يتجهوا لمهاجمة العاصمة واشنطن من الشمال. ويوم الحادي عشر من نفس الشهر، حاولت هذه القوات الكونفدرالية مهاجمة فورت ستيفنز (Fort Stevens) لدخول واشنطن إلا أنها تعرضت لهزيمة قاسية واضطرت للتراجع بفضل الدفاعات الجيدة التي شيّدها الجنرال بارنارد.