في خضم الحرب الأهلية، نظّمت الولايات المتحدة الأميركية خلال شهر نوفمبر 1864 الانتخابات الرئاسية العشرين بتاريخها حيث شملت هذه الانتخابات الولايات التي ظلت بالاتحاد ورفضت في وقت سابق مشاريع الكونفدراليين. وخلال انتخابات عام 1864، تمكّن أبراهام لنكولن من الفوز بولاية رئاسية ثانية عقب نجاحه في اكتساح المجمع الانتخابي وتفوقه على الجنرال وقائد الجيش الأميركي ما بين عامي 1861 و1862 جورج ماكليلان (George B. McClellan). فمع صدور النتائج، حصل لنكولن على 212 صوتا بالمجمع الانتخابي بينما نال منافسه ماكليلان 21 صوتا فقط.
إلى ذلك، توقع كثير من المسؤولين الأميركيين حينها فوز لنكولن بولاية ثانية بفضل التقدم الذي أحرزته قوات الاتحاد ضد الكونفدراليين بالحرب الأهلية عام 1864. فمطلع شهر أيلول/سبتمبر 1864، تمكنت قوات الجنرال وليام شيرمان (William T. Sherman) من السيطرة على مدينة أتلانتا (Atlanta) بولاية جورجيا. ومع اقتراب موعد حفل التنصيب، كانت قوات شيرمان متمركزة بشكل جيد بكارولاينا الجنوبية. وفي الآن ذاته، حاصر جنود الجنرال يوليسيس غرانت (Ulysses Grant) مدينة بطرسبرغ بفرجينيا التي تواجدت على بعد عشرات الأميال من عاصمة الكونفدراليين ريتشموند (Richmond).
50 ألف شخص قرب الكابيتول
وبفضل هذه الانتصارات العسكرية، مثّل حفل تنصيب أبراهام لنكولن يوم 4 آذار/مارس 1865 يوما فريدا من نوعه بالنسبة للاتحاد. فلأول مرة بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية، حصل الأميركيون على عطلة رسمية خلال يوم التنصيب. إلى ذلك، شهدت مدن أميركية كبوسطن وسان فرانسيسكو وسانت لويس وشيكاغو احتفالات تزامنا مع يوم تنصيب لنكولن حيث ابتهج الجميع حينها بفوز هذا الرجل الذي صنّفوه كمجهض العبودية بالبلاد وبطل الحرب الأهلية.
وبالعاصمة واشنطن، تجمهر حوالي 50 ألف شخص قرب مبنى الكابيتول لمشاهدة الرئيس لنكولن وحضور مراسم تنصيبه. وقد كان من ضمن الحاضرين عدد كبير من العسكريين من ذوي الأصول الإفريقية. فعقب إعلان تحرير العبيد سنة 1863، سمح لذوي الأصول الإفريقية بالالتحاق بالجيش وأداء الخدمة العسكرية. ومع نهاية الحرب الأهلية، قدّر عدد الجنود من ذوي البشرة الداكنة بالجيش الأميركي بأكثر من 180 ألف عنصر.
خطاب افتتاحي واغتيال بعد 41 يوما
بشكل غريب، حدّث الصحافي الأميركي، الذي كان حاضرا بحفل التنصيب، نواه بروكس (Noah Brooks) عن صدفة رافقت حفل تنصيب أبراهام لنكولن فوصف يوم 4 مارس 1865 بالمغيّم والممطر وتحدّث عن إشراق الشمس تزامنا مع بداية الحفل الرسمي لتنصيب لنكولن.
ومع بداية خطاب تنصيبه الذي تكوّن من نحو 700 كلمة، تجنّب لنكولن الإشارة لمجريات الحرب وتقدم قوات الاتحاد وأشار في المقابل لمستقبل مليء بالأمل. ومن ثم تحدّث لنكولن عن ضرورة وحتمية هذه الحرب بين الاتحاد والكونفدرالية مؤكدا على اندلاعها بسبب مسألة العبودية التي صنّفها كأزمة أخلاقية وإهانة للجنوب والولايات المتحدة الأميركية بأكملها.
وقد أنهى لنكولن خطابه بعبارات دعا من خلالها الأميركيين لتضميد جروح بلادهم والنظر للمستقبل وإنشاء سلام دائم بين بعضهم البعض ومع بقية الدول.
ومع نهاية خطاب التنصيب، أطلقت المدفعية بضعة قذائف لتحية الرئيس المنتخب قبل أن يباشر الحاضرون بالتصفيق تزامنا مع أداء أبراهام لنكولن اليمين بحضور رئيس القضاء سلمون تشيس (Salmon P. Chase) لتبدأ بذلك الفترة الرئاسية الثانية والقصيرة للنكولن الذي شغل المنصب لمدة 41 يوما فقط انتهت باغتياله يوم 15 أبريل 1865 على يد الممثل جون ويلكس بوث (John Wilkes Booth) البالغ من العمر 26 عاما.