بعد مضي 3 أشهر عن بداية الغزو الألماني للأراضي البولندية واندلاع الحرب العالمية الثانية، زج الاتحاد السوفيتي بنحو نصف مليون جندي لمواجهة فنلندا ضمن حرب الشتاء التي اندلعت يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939 عقب انهيار المفاوضات بين الطرفين التي طالب من خلالها السوفيت الفنلنديين بتسليمهم عددا من المناطق بهدف تأمين مدينة لينينغراد من خطر غزو ألماني مستقبلي.
وفي خضم هذه الحرب التي استمرت لحدود منتصف شهر آذار/مارس 1940، تمكن الفنلنديون من إعاقة تقدم الجيش الأحمر وكبّدوه خسائر كبيرة حيث تجاوز عدد القتلى والمفقودين السوفيت عتبة المئة ألف عسكري. وفي الأثناء، لعبت سلسلة دفاعات شيّدت عند البرزخ الكاريلي (Karelian Isthmus) وعرفت بخط مانرهايم (Mannerheim Line) دورا هاما في صد السوفيت حيث أعاقت هذه الدفاعات الفنلندية تقدم الجيش الأحمر لأشهر.
إنشاء خط مانرهايم
مع إعلان استقلال فنلندا عام 1917، صنّف المسؤولون الفنلنديون الروس السوفيت كأهم خطر قد يهدد بلادهم مستقبلا. فضلا عن ذلك، اعتبر العسكريون بفنلندا البرزخ الكاريلي كأبرز منطقة قد يتدخل عن طريقها الجيش السوفيتي بالأراضي الفنلندية. وبينما اعتبرت المنطقة الشرقية من البرزخ الكاريلي آمنة بفضل تواجد جانب هام من التضاريس الطبيعية الوعرة بها، صنّف القسم الغربي منه كموقع حساس قد يستغله الجيش الأحمر مستقبلا لمهاجمة الأراضي الفنلندية.
بحلول شهر أيار/مايو 1918، أوكل قائد القوات المسلحة بفنلندا المارشال كارل غوستاف إيميل مانرهايم (Carl Gustaf Emil Mannerheim) للملازم السويدي راب (A. Rappe) مهمة إنشاء خط دفاعي عند البرزخ الكاريلي. وبناء على خطة راب، تقرر إنشاء تحصينات دفاعية لحماية خطي سكك حديدية بالقرب من الحدود مع الجانب السوفيتي. إلا أنه تمّ التخلي عن خطة راب بعد بضعة أشهر تزامنا مع استقالة المارشال مانرهايم من منصبه.
خلال شهر تموز/يوليو 1918، وافقت القيادة العسكرية الفنلندية على خطة دفاعات جديدة قدّمها الكولونيل الألماني فون براندنشتاين (O. von Brandenstein) وخصص لها مبلغا بلغت قيمته 300 ألف مارك. وعلى حسب هذه الخطة، اقترح فون براندنشتاين الاعتماد على التضاريس الطبيعية لدعم الدفاعات بالبرزخ الكاريلي. لكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا، توقفت الأشغال حول الخط الدفاعي الكاريلي قبل أن تستأنف بعد أشهر.
مع تولي الجنرال أوسكار إنكيل (Oscar Enckell) قيادة القوات المسلحة بفنلندا، عاد الفنلنديون لبناء خط الدفاع بالبرزخ الكاريلي اعتمادا على تصاميم فون براندنشتاين. فضلا عن ذلك، لجأ المسؤولون بفنلندا للاعتماد على خبرة ونصائح الفرنسيين إضافة لعدد من العسكريين السابقين بجيش روسيا القيصرية.
استمر العمل على بناء هذا الخط الدفاعي، الذي لقّب فيما بعد باسم خط مانرهايم نسبة للمارشال كارل غوستاف إيميل مانرهايم الذي قاد الجيش الفنلندي بحرب الشتاء، لنحو عشرين عاما انقسمت على فترتين حيث امتدت الأشغال مبدئيا ما بين عامي 1919 و1924 قبل أن تستأنف مجددا عام 1932 وتنتهي عام 1939.
إلى ذلك، تضمّن خط مانرهايم العديد من المكامن، المعروفة أيضا بالكازمات (casemate)، المبنية من الخرسانة والخنادق والتحصينات الأخرى التي صممت لمقاومة القصف المدفعي وزوّدت بالرشاشات.
أعاق تقدم الجيش السوفيتي
خلال حرب الشتاء، عرقل خط مانرهايم تقدم السوفيت لمدة تجاوزت الشهرين حيث عجزت قوات الجيش الأحمر عن عبوره وتكبّدت خسائر جسيمة، قدرت بعشرات آلاف الجنود، بالقرب منه.
وأملا في تهدئة الرأي العام بالبلاد وطمأنتهم عن سبب فشل الجيش الأحمر بالبرزخ الكاريلي، تحدّثت آلة الدعاية السوفيتية عن وجود دفاعات كثيفة وأسلحة مدفعية بخط مانرهايم مشبّهة إيّاه بخط ماجينو (Maginot Line) الذي شيّدته فرنسا لحماية نفسها من هجوم عسكري ألماني مستقبلي. لكن في حقيقة الأمر، لم يكن خط مانرهايم سوى خطوط دفاعية بسيطة افتقرت بشكل لافت للانتباه للمدفعية في مواجهة القوات السوفيتية.
مع نهاية حرب الشتاء وقبول الفنلنديين باتفاقية موسكو، أرسل الاتحاد السوفيتي فرقا من المهندسين نحو البرزخ الكاريلي لتدمير ما تبقى من دفاعات خط مانرهايم.