بزمن كورونا.. كيف ساهمت التكنولوجيا بإنقاذ صناعة الكتاب؟

استعادة تألق النشر بعد إجراءات الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، هواجس لا تزال تشغل بال كثيرين من صناع الكتاب ودور النشر في الوطن العربي.

"العربية.نت" جالت في أرجاء معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الــ40 الذي يضم أكثر من 15 مليون كتاب، بمشاركة 1576 دار نشر من 83 دولة من مختلف أنحاء العالم، ناقشت مع أصحاب دور نشر عرب، أبرز التحديات التي واجهتهم خلال أزمة كورونا، وما ترتب عليها من إغلاق مكتبات ومنافذ توزيع توقف معارض، مما دفع كثيرين إلى اتخاذ تدابير ذكية وحلول مبتكرة تشكل روافد جديدة للحيلولة دون إغلاق أبوابها أو الانسحاب من ساحات النشر، نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي ضربت كثيرا من القطاعات بما فيها قطاع النشر، وأثرت بشكل واضح على استقرار الموظفين وكذلك تراجع بريق الانتشار في سوق صناعة الكتاب.

رسل للثقافة وحراس للمعرفة

تتباين تلك الحلول، وتتشابه من دار لأخرى، لكن الجميع يحملون قناعة واحدة، ويدركون بأن هذا الظرف يستحق التضحية من أجل الاستمرارية في تأدية رسالة التنوير، بوصفهم رسلا للثقافة وحراسا للمعرفة. وأكد ناشرون أن تحدي كورونا جعل كثيرا من بيوت النشر تراجع سياساتها ومنهجيتها سواء في الشروط والمعايير أو إعادة تقييم المحتوى الذي يتم تصديره للقراء، مشيرين إلى أهمية أن تتوفر فيه قيم ومعايير إبداعية تواكب روح الواقع المتسارع.

طموح الربح والتوسع والانتشار غايات مؤجلة

العودة للزمن الذهبي للكتاب الورقي باتت مستحيلة، حسب تامر سعيد مدير تطوير الأعمال في دار كلمات للنشر، مشيراً إلى أن طموح الربح والتوسع والانتشار وارتقاء حركة النشر والتسويق والتوزيع، "غايات مؤجلة" لم تعد تشغل الكثيرين من صناع الكتاب في كنف كورونا، بقدر ما يؤرقهم الاستمرارية في رسالتهم والخروج من هذا الظرف الصعب غير المحسوب بأقل خسائر ممكنة.

التوجه السريع إلى الرقمية

وأضاف تامر: "من واقع تجربتنا فقد كنا مستعدين للتوجه لجمهور جديد من خلال موقعنا الإلكتروني، حيث شهد زيادة كبيرة في عدد الأعضاء وتضاعفت طلبات شراء الكتب، فلجأنا إلى ابتكار تصورات جديدة لرقمنة الكتاب، واعتمدنا على منصاتنا في "سوشيال ميديا" بشكل أوسع وسيلة تعريف وترويج وتواصل مع القراء، ومضينا في تعزيز علاقتنا مع المؤلفين عبر التواصل الافتراضي بدون انقطاع، من دون أن يفوته التأكيد على أن هذه الجائحة أسهمت في إقناع الكثير من صانعي الكتاب في التوجه السريع إلى الرقمية، من خلال إطلاق كتب صوتية وإنتاج محتوى إلكتروني هادف بأدوات تفاعلية شائقة".

التجارة الإلكترونية هي المستقبل الحقيقي لصناعة الكتاب

ثمة تحد آخر يواجهه صناع النشر هو أن التكنولوجيا الرقمية لا تدعم اللغة العربية كما هو الحال مع اللغات الأخرى كالإنجليزية، ولا تتوفر نفس الأدوات المتاحة لتحويل الكتاب الورقي إلى رقمي. وذكر تامر أن التجارة الإلكترونية باتت هي المستقبل الحقيقي لصناعة الكتاب سواء الرقمي أو الورقي، لافتاً إلى أن إقامة المعارض واستعادة زخم الحياة الثقافية، يمثل بصيص أمل حقيقي أمام دور النشر لتعويض ما تكبدته من خسائر اقتصادية، وتعزيز حضورها مجدداً، وعقد اتفاقيات وشراكات تعاون لزيادة مداخيلها.

تجاوز الصعوبات والتحديات

ربحية الكتاب تكاد تكون رمزية، مع أزمة كورونا تفاقم الوضع، فكادت تكون منعدمة، ما دفع بعض دور النشر الناشئة للانسحاب من ساحات صناعة الكتاب، بينما استطاع أصحاب دور النشر الكبرى تجاوز الصعوبات والتحديات، حسب ما يؤكد محمد عبدالمنعم صاحب دار سما للنشر والتوزيع في مصر، مشيراً إلى أن مواجهة هذا التحدي لم تكن سهلة، لكنه لجأ إلى تطبيق فكرة البيع أونلاين لفتح قنوات دخل جديدة، مستعيناً بمواقع عالمية مثل "سوق دوت كوم" و موقع جملُ"، ساهمت في استمرار حركة توزيع الكتب للقراء، وأضاف: "أطلقنا مبادرات ثقافية ضمن مسؤوليتنا الاجتماعية تجاه جائحة كورونا، هدفت لإتاحة جميع إصداراتنا للقراء في الوطن العربي والعالم لمدة ثلاثة أشهر".

توصيل الكتب للقراء بمنازلهم

بعد تأثر منافذ التوزيع، اتجهت بعض بيوت النشر إلى الأونلاين، وتطوير منصاتها الرقمية لمواكبة المتغيرات الجديدة، تماما كما هو الحال مع دار الأنجلو المصرية، وأكد كريم أمين، المتحدث باسم الدار بصفته مسؤولاً في تمثيلها، بأنهم قاموا بإنشاء شركة صغيرة تختص بتوصيل الكتب للقراء في الوطن العربي والعالم إلى منازلهم خلال مدة أقصاها 48 ساعة، باتفاقية مشتركة مع "أرامكس العالمية" لنقل شحنات الكتب والتوزيع الدولي.

وبلغت نسبة المبيعات خلال فترة كورونا نحو 300% حسب تقدير كريم، وهو رقم كبير مقارنة مع فترات سابقة قبل الجائحة، ولم تغفل الدار بحسبه الاهتمام ببناء مواد إعلانية وإنتاج قوالب دعائية مبتكرة "كوسيلة جذب" للترويج للمحتوى الخاص بالكتب المعروضة للبيع، من خلال تعاون مع شركات متخصصة في مجال الدعاية والإعلان، وأضاف: قدمنا مبادرة مجتمعية خلال فترة الجائحة وتم نشر أكثر من 3000 عنوان على موقعنا الإلكتروني لإتاحتها للقراءة فقط للجمهور مدة شهر.

حلقة وصل بين القراء والمؤلفين والناشرين

أشرف صبحي، مدير دار نشر الكتاب اليمني، وهي الدار الوحيدة المتخصصة في نشر فكر وتراث اليمن وفق وصفه، وأضاف أن الدار اعتمدت بشكل أساسي على تسويق كتبها عبر الأونلاين، وتم تطوير أدوات الموقع لتسهيل استقبال الطلبات ومتطلبات التوصيل إلى جانب فتح منصة افتراضية للتواصل مع القراء، وسعينا إلى تنظيم معارض داخلية في الجامعات المصرية إضافة إلى مشاركتنا في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي نعده مكسباً مهماً لكل دور النشر ومنصة مفتوحة لاستعادة وهج الكتاب.

من جانبها، قالت هالة عمر صاحبة دار نشر "هلا للنشر والتوزيع": "استطعنا مواجهة الجائحة عن طريق استثمار التكنولوجيا في تسيير عملية إيصال الكتاب إلى جمهورنا، واستطعنا تطوير أدواتنا الإلكترونية وتطويعها لخدمة المؤلفين وجمهور القراء"، ولفتت إلى أن الجائحة على الرغم من مساوئها إلا أنها أفرزت ثقافة التأني من خلال إعادة تقييم أدوات النشر التقليدية وتكييفها مع متغيرات المستقبل، واستثمار منصات "سوشيال ميديا" حلقة وصل لتحقيق فرص التواصل مع القراء والمؤلفين والناشرين لتحقيق متطلبات واهتمامات هذا الثالوث المترابط.

فترة الجمود كادت تدفع دور نشر كبرى لإشهار إفلاسها

وأوضحت: "نهدف إلى الوصول لجمهور جديد وتحديد ميوله وتوجهاته ودراسة متطلباتهم خاصة فيما يتعلق بالتعليم الافتراضي واستثمار الفراغ الذي أفرزه مناخ التباعد الاجتماعي".

من جانبها، أشارت بهيرة أبو الفتوح نائبة ومسؤولة التسويق بالدار، إلى أن عملية توصيل الكتب للقراء أوكلت إلى موظفي الدار، لتوفير نفقات واستثمار طاقات عاملة متوفرة لتفادي فترة الجمود والركود الاقتصادية، من دون أن تنكر وجود اختلال في التوازن المادي لصالح الالتزام بمعايير الجودة والمهنية، وتابعت بهيرة قائلة: "نحن قادرون من خلال هذه التدابير التي تم اعتمادها بالدار للاستمرار وتغطية النفقات لمدة عام آخر، ولكن إذا استمر الوضع بهذا الحال، بالتأكيد فإن كثيرا من دور النشر الكبرى ستشهر إفلاسها".

ترفيه معرفي عبر وثائق ومراجع تاريخية

وقال إيهاب الرفاعي، مدير تسويق المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم: "اعتمدنا على التكنولوجيا للتوزيع والنشر، وتم عرض كل العناوين التي أنتجتها الدار على جميع المنصات الرقمية، للترويج لها وتوزيعها على جمهور القراء، ولم تتجه الدار بحسبه إلى تحويل الكتاب الورقي إلى صيغة "بي دي إف"، إيماناً أن القارئ الجيد هو الذي يتجه إلى الكتاب الورقي، أما الكتاب الإلكتروني أو المسموع فهو لمجرد الترفيه المعرفي من وجهة نظر المؤسسة، قناعة مردها إلى أن الكتب التي تنتجها الدار غير قابلة لتحويلها إلى نسخ رقمية حيث إن كتب الدار والحديث لإيهاب، لها علاقة بالتاريخ والعلاقات المصرية الروسية وغالبيتها كتب سياسية وعلمية وفكرية، فضلاً عن أنها تمثل وثائق ومراجع تاريخية للبحث والتعليم وإثراء المعرفة الإنسانية.

كتب متحركة بمؤثرات صوتية

أما نور عرب، مؤسس دار نون للنشر والتوزيع، فقالت: "تم خلال جائحة كورونا، إطلاق أكاديمية "نور كرييتيف" ابتكرت تقديم قوالب مدعمة بمؤثرات صوتية ناطقة ومتحركة للكتب الصادرة من الدار، واتبعنا فيها معايير لتصنيف الكتب"، مشيرة إلى أن فكرة المنصة تقدم خدمة "تعليمية" من خلال قصص الأطفال لطلاب المدارس، كما نجحنا في الحفاظ على حضورنا في ساحة صناعة الكتاب بدليل تواجدنا اليوم ومشاركة الدار في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتابة في هذه الدورة التي توصف بـ "الاستثنائية". فقد نال "الشارقة للكتاب" لقب أكبر معرض كتاب في العالم، كما أكدت نور على ضرورة التعامل مع المتغيرات الجديدة لسوق النشر، المتمثل في هيمنة الكتاب الالكتروني كبديل جاذب، وتحويل الكتاب الورقي إلى محتوى صوتي بقوالب فنية وأشكال جمالية شائقة..

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: