منذ القديم، لعبت العواصف والأعاصير دورا كبيرا في تغيير مجرى التاريخ. فإضافة لسفن الأرمادا الإسبانية (Spanish Armada) التي دمرت وفشلت في النزول بإنجلترا عام 1588 بسبب إعصار والبحرية البريطانية التي تلقت صفعة قاسية عقب غرق العديد من سفنها في خضم حرب الاستقلال الأميركية بسبب الإعصار الكبير لعام 1780 بالأطلسي.
وعرفت فرنسا بالقرن السادس عشر تجربة سيئة مع الأعاصير حيث أسفر إعصار قبالة السواحل الأميركية عن خراب أسطولها فبدد أحلامها بمناطق فلوريدا التي سرعان ما وقعت في قبضة الإسبان.
الفرنسيون بفلوريدا
قبل نحو عام من قدوم الإسبان، أسس الفرنسيون عام 1564 مستعمرة فورت كارولين (Fort Caroline) قرب موقع ما يعرف حاليا بمدينة جاكسونفيل (Jacksonville). إلى ذلك، مثّل هذا الحدث تهديدا حقيقيا للإسبان. فبفضل هذه المستعمرة الواقعة على الساحل الشرقي لفلوريدا، سعى الفرنسيون للحصول على موطئ قدم للإغارة على السفن الإسبانية، المحملة بالذهب والكنوز، التي كانت في طريقها نحو أوروبا.
وخلال عامها الأول، واجهت مستعمرة فورت كارولين الفرنسية العديد من المصاعب. فعانت من نقص المواد الغذائية وهجمات السكان الأصليين واضطرت لانتظار قدوم المغامر والمستكشف والبحار جون ريبولت (Jean Ribault) الذي حلّ بالمنطقة قادما من فرنسا مرفوقا بالعديد من الجنود والمستعمرين الجدد وحاملا معه الكثير من المؤن.
الإسبان بفلوريدا
بعد أيام من قدوم ريبولت، حلّ الحاكم الإسباني بفلوريدا، المعيّن حديثا، بيدرو مينينديز دي أفيلاس (Pedro Menéndez de Avilés) بالمنطقة مدعوما بالعديد من السفن الحربية عقب تلقيه أوامر بإزالة المستعمرة الفرنسية بفورت كارولين. ومنذ قدومه، اتجه دي أفيلاس صوب المواقع الفرنسية فخاض معهم عددا من المناوشات قبل أن يضطر للتراجع 35 ميلا جنوبا حيث أسس مستعمرة سانت أوغسطين (St. Augustine).
إلى ذلك، استعدت المستعمرتان للحرب. وبينما فضّل دي أفيلاس هجوما بريا، حبّذ نظيره الفرنسي ريبولت هجوما بحريا مباغتا عن طريق تعبئة قواته داخل السفن والتقدم بحرا نحو مستعمرة سانت أوغسطين. وعلى الرغم من تلقيه لتحذيرات من عند أحد مساعديه بضرورة ترك بعض الجنود بفورت كارولين وإمكانية هبوب عاصفة بالبحر، فضّل ريبولت مواصلة تنفيذ خطته ليتسبب لاحقا في ضياع الحلم الفرنسي بفلوريدا.
إعصار أنهى الحلم الفرنسي
عقب بلوغه مشارف سانت أوغسطين، طالب ريبولت الإسبان بالاستسلام وقبول جميع شروطه. وقبل تلقيه لأي ردّ، ضرب إعصار، لقّب من قبل كثيرين بإعصار سانت ماتيو (San Mateo)، المنطقة يوم 22 أيلول/سبتمبر 1565 فقذف بالسفن الفرنسية نحو كاب كانافيرال (Cape Canaveral) وأغرق النسبة الساحقة منها متسببا في وفاة أعداد كبيرة من الجنود ليجد بذلك ريبولت نفسه رفقة مجموعة من البحارة الناجين منهكي القوى.
من جهة ثانية، استغل دي أفيلاس الموقف فهاجم مستعمرة فورت كارولين الفرنسية وخرّبها وأعدم كل الجنود الفرنسيين بها وأسر فقط بعضا من النساء والأطفال.
إعدام ريبولت ورجاله
إلى ذلك، حدّد الإسباني دي أفيلاس موقع نظيره الفرنسي ريبولت جنوبا فزحف نحوه وطالبه بالاستسلام. وأمام افتقاره للغذاء والسلاح، قبل ريبولت بذلك ليعدم لاحقا رفقة المئات من رجاله.
ومع بلوغ أخبار المذبحة أوروبا، تضاءلت رغبة الفرنسيين في السيطرة على هذه المنطقة خاصة مع تراجع رغبة المستعمرين في التنقل إليها لتتبدد بذلك أحلام فرنسا في السيطرة على فلوريدا بسبب إعصار.