بلغت حدة التوتر بين المعسكرين الغربي والشرقي أشدّها عقب أزمة تشيكوسلوفاكيا سنة 1948، وذلك خلال السنوات الأولى التي تلت الحرب العالمية الثانية.
وعلى إثر انقلاب شهدته تشيكوسلوفاكيا، اتخذت الحرب الباردة منحى جديداً أسفر عن ظهور حلفي الناتو ووارسو وأجج الصراع الأميركي السوفيتي حول النفوذ بأوروبا.
فقد مثلت تشيكوسلوفاكيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، الدولة الوحيدة بأوروبا الوسطى التي حافظت على نظامها الديمقراطي على الرغم من تحريرها على يد السوفييت من قبضة النازيين.
في الأثناء، ضمت البلاد حزباً شيوعياً قوياً وفاعلا على الساحة السياسية. ففي انتخابات عام 1946، فاز الحزب الشيوعي بنحو 38 بالمائة من الأصوات ونال العديد من الحقائب الوزارية بالحكومة.
خطة مارشال
وبحلول يوليو 1947، وافق جميع أعضاء الحكومة التشيكوسلوفاكية على قبول مساعدة أميركية ضمن برنامج خطة مارشال (Marshall) التي حاول من خلالها الأميركيون مد يد العون للدول الصديقة لضمان بقائهم خارج دائرة نفوذ الاتحاد السوفيتي.
إلى ذلك، لم ترق هذه الفكرة كثيرا للقائد السوفيتي جوزيف ستالين الذي رفض حصول التشيكوسلوفاكيين على مساعدة أميركية.
وأمام هذا الأمر، اضطر التشيكوسلوفاكيون للرضوخ لرغبة ستالين بسبب تواصل وجود الجيش الأحمر السوفيتي ببلادهم منذ رحيل النازيين حيث مثلت القوات السوفيتية ببراغ وسيلة ضغط فاعلة لثني الحكومة التشيكوسلوفاكية عن هدفها.
وبدعوة من ستالين، اتجه الحزب الشيوعي بتشيكوسلوفاكيا لعرقلة التقارب بينها والغرب. وخلال خريف عام 1947، عرقل الشيوعيون برنامج تعاون وتحالف تشيكوسلوفاكي فرنسي قبل أن يوجهوا أصابع الاتهام لعدد من الليبراليين بمحاولة اغتيال الرئيس ومساندة الفاشية.
نجاح الانقلاب
إلى ذلك، ومع بداية العام 1948، عيّن وزير الداخلية التشيكوسلوفاكي العديد من الموالين للشيوعيين بمراكز الأمن بمختلف أرجاء البلاد قبل أن يتجه لتغيير 8 من المسؤولين الأمنيين الكبار دفعة واحدة بالعاصمة براغ أملا في ضمان تأييد المؤسسة الأمنية.
وفي 19 فبراير 1948، أمر الحزب الشيوعي أنصاره بالخروج للشوارع. وكرد على ذلك، قدّم عدد هام من الوزراء، غير الشيوعيين، استقالتهم احتجاجا على محاولة الحزب الشيوعي السيطرة على البلاد بالقوة.
وبعدها بثلاثة أيام فقط، قادت الشرطة التشيكوسلوفاكية يوم 22 فبراير 1948 حملة اعتقالات واسعة أرسلت عددا كبيرا من معارضي الحزب الشيوعي خلف القضبان.
ضغوط سوفيتية
أمام هذا الوضع الذي تزامن مع ضغوطات سوفيتية، وافق الرئيس إدوارد بينش (Edvard Beneš) على استدعاء السياسي الشيوعي كليمنت غوتفالد (Klement Gottwald) وأوكل إليه يوم 25 فبراير 1948 مهمة تشكيل حكومة جديدة للبلاد مكرساً بذلك نجاح الانقلاب الذي دعمته موسكو.
في موازاة ذلك، شهدت تشيكوسلوفاكيا في مايو من ذات العام انتخابات، لطالما شكك المؤرخون في مدى نزاهتها، حيث حصل خلالها الحزب الشيوعي على 90 بالمائة من الأصوات.
وبفضل ذلك، أقصي إدوارد بينش، الذي توفي بالعام التالي، من الرئاسة ليعين الشيوعي كليمنت غوتفالد رئيسا بدلا منه.
إلى ذلك، أثار هذا الانقلاب، الذي مرت بفضله تشيكوسلوفاكيا نحو المعسكر الشرقي، غضب الدول الغربية التي سارعت بالرد عن طريق توحيد مناطق نفوذها بألمانيا وإنشاء حلف الناتو عام 1949.