مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية الصراع بشكل رسمي أواخر أكتوبر 1914 لجانب كل من ألمانيا والنمسا-المجر، باشر العثمانيون بممارسة سياسة قمعية وعنصرية ضد اليونانيين البنطيين الذين كانوا عبارة عن مجموعة عرقية يونانية قطنت تاريخيا جنوب البحر الأسود. وفي خضم هذه الأحداث، لجأ العثمانيون لترحيل وتهجير أعداد كبيرة من اليونانيين البنطيين بعد اتهامهم بالتعاطف مع الروس والعمل ضد الدولة العثمانية.
وتزامنا مع تتالي هزائمهم ضد الروس ودخول اليونان الحرب العالمية ضدّهم، صعّد العثمانيون من حملتهم ضد اليونانيين البنطيين والتي سرعان ما تحوّت لسياسة عقاب جماعي ضد هذه العرقية حيث أسفرت عمليات الترحيل والتصفية عن مذبحة مشابهة لإبادة الأرمن راح ضحيتها أكثر من 300 ألف فرد من اليونانيين البنطيين.
إلى ذلك، لم تنتهِ معاناة اليونانيين البنطيين مع نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين. فما بين عامي 1919 و1922، عاشت المنطقة على وقع الحرب التركية اليونانية. وخلال هذه الفترة، لم يتردد الوطنيون الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في مواصلة عمليات الإبادة ضد هذه العرقية.
محاكمات دون أدلة
ومقارنة بما اقترفته الدولة العثمانية في حق هذه العرقية، اتجه مصطفى كمال أتاتورك لتوسيع عمليات الإبادة لتطال مثقفين وكبار المسؤولين من اليونانيين البنطيين. في الأثناء، بحث الوطنيون الأتراك عن طابع قانوني للتخلص من هذه الفئة المثقفة فعمدوا لاعتقال كثير منهم بداية من شهر ديسمبر 1920 واقتادوهم نحو منطقة أماسيا (Amasya)، التي تميّزت ببعدها عن أماكن تواجد السفارات والدبلوماسيين الأجانب، بداخل الأناضول قبل أن يباشروا بمحاكمتهم.
وخلال شهر أغسطس 1921، انطقت عمليات المحاكمة حيث وجّه القضاء الموالي لأتاتورك، على الرغم من عدم امتلاكه لأدلة، تهما بالخيانة ومساندة الروس بالحرب العالمية والتحضير للثورة والسعي لإنشاء دولة بإقليم بنطس (Pontus) لهؤلاء المثقفين من اليونانيين البنطيين.
وأثناء فترة المحاكمة، تعرّض المتهمون للشتم والضرب كما أجبر عدد منهم على الاعتراف بما نسب إليهم تحت وطأة التعذيب. لاحقا، أصدر القضاء أحكاما تقضي بإعدام المئات من الأشخاص من اليونانيين البنطيين. وقد باشرت السلطات التركية بتنفيذ هذه الأحكام خلال الفترة الممتدة ما بين شهري أغسطس وسبتمبر 1921.
إعدام المثقفين والشخصيات المرموقة
على حسب العديد من المصادر، أعدم أكثر من 400 شخص شنقا عقب محاكمات أماسيا وقد كان من ضمن هؤلاء حوالي 155 فردا من اليونانيين البنطيين المثقفين.
إلى ذلك تضمّنت قائمة ضحايا هذه المحاكمات شخصيات مرموقة من اليونانيين البنطيين كرجل الأعمال والمؤرخ ماتثايوس كوفيديس (Matthaios Kofidis) الذي كان عضوا بالمجلس العمومي العثماني ما بين عامي 1908 و1918 والصحافي نيكوس كابيتانيديس (Nikos Kapetanidis) ومدير البنك العثماني بمنطقة سامسون بافلوس بابادوبولوس (Pavlos Papadopoulos) والأسقف إيثيميوس (Euthymios) الذي توفي بالسجن تحت وطأة التعذيب. أيضا، شنق عدد من لاعبي فريق بونتوس مرزيفون (Pontus Merzifon) لكرة القدم بعد اتهامهم بالعمل ضد تركيا بسبب ألوان قمصانهم التي حملت ألوانا وخطوطا مشابهة لتلك الموجودة بعلم اليونان.