عقب حادثة اغتيال سيرغي كيروف يوم 1 كانون الأول/ديسمبر 1934، عاش الاتحاد السوفيتي على وقع بداية أحداث محاكمات موسكو والتطهير الكبير الستاليني، الذي أسفر ما بين عامي 1936 و1938 عن مقتل ما لا يقل عن 700 ألف شخص. وفي خضم هذه الفترة الدامية من التاريخ السوفيتي، اتجه جوزيف ستالين للتخلص من رفاقه القدامى الذين شارك عدد منهم بالثورة البلشفية عام 1917 وقاتلوا بجانب الجيش الأحمر في خضم الحرب الأهلية الروسية.
إضافة لكل من ليف كامينيف (Lev Kamenev) وغريغوري زينوفييف (Grigory Zinoviev) اللذين أعدما عام 1936، يذكر التاريخ اسم الناشط والسياسي البلشفي والفيلسوف الماركسي نيقولاي بوخارين (Nikolai Bukharin) الذي أعدم عام 1938 بأوامر مباشرة من جوزيف ستالين.
توجهات بوخارين
إلى ذلك، التقى بوخارين، المولود يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر 1888 بموسكو، لأول مرة بفلاديمير لينين بمدينة كراكوف (Kraków) خلال العام 1912 وساعد ستالين في تأليف كتابه الذي حمل عنوان الماركسية والمسألة القومية، كما راسل أثناء نفس الفترة ليون تروتسكي وكتب لصالح مجلة نوفيي مير (Novyï Mir).
خلال شهر شباط/فبراير 1917، عاد نيقولاي بوخارين لروسيا عبر اليابان ليصبح خلال نفس العام رئيس تحرير صحيفة البرافدا (Pravda) السوفيتية الرسمية وهو المنصب الذي حافظ عليه على مدار 10 سنوات وأصبح بفضله أحد أهم منظري الحزب الشيوعي. وأثناء العشرينيات، كتب بوخارين عن الاقتصاد بالاتحاد السوفيتي ودكتاتورية البروليتاريا وأيد نظرية تروتسكي بعسكرة النقابات والاتحادات العمالية.
أثناء تزعمه للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، أيد بوخارين فكرة تحويل البلاد نحو نظام التصنيع السريع مؤكدا على ضرورة اعتماد برنامج اقتصادي وتصنيعي قادر على تلبية طموحات الاتحاد السوفيتي.
رد اعتبار بعد 50 عاما
أثناء فترة النزاع على السلطة بالاتحاد السوفيتي عقب وفاة فلاديمير لينين، أيد نيقولاي بوخارين صديقه جوزيف ستالين ضد ليون تروتسكي كما اعتبر قرار ستالين بالتخلص من خصومة السابقين تروتسكي وزينوفييف وكامينييف قرارا صائبا.
في البداية، دافع بوخارين بشراسة عن السياسة الاقتصادية لجوزيف ستالين متسببا بذلك في تراجع مكانته وشعبيته بين أعضاء الحزب الشيوعي. لاحقا، غيّر بوخارين موقفه وأصبح معارضا سريا لستالين حيث كشفت مراسلاته لكل من زينوفييف وكامينييف ذلك خاصة مع تشبيهه لستالين بجنكيز خان.
مع انكشاف حقيقة هذه المراسلات، خسر بوخارين منصبه كرئيس تحرير البرافدا وأقصي من المكتب السياسي للحزب الشيوعي عام 1929. وقد ظل الأخير معاقبا قبل أن يسمح له ستالين بالعودة مجددا للنشاط السياسي خلال الثلاثينيات.
عقب إعدام كل من زينوفييف وكامينييف عام 1936، حلّ الدور على بوخارين الذي اعتقل رفقة المسؤول الشيوعي الآخر ألكسي ريكوف ليمثل أمام القضاء. وأثناء المحاكمة، وجهت لبوخارين تهم غريبة تراوحت بين التآمر لقتل ستالين وتسميم الأديب مكسيم غوركي والسعي لتقسيم الاتحاد السوفيتي وتسليم جانب من أراضيه لكل من ألمانيا واليابان.
تحت وطأة التعذيب على يد جلادي مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، قبل بوخارين بجميع التهم الموجهة إليه. وبناء على مصادر أخرى، وافق هذا المسؤول الشيوعي السابق على كل ما نسب إليه أملا في إنقاذ أفراد عائلته وتجنب جرّهم نحو المحاكمة.
وعلى الرغم من توسلات العديد من الأدباء حول العالم ومراسلتهم لستالين للعفو عنه، أعدم نيقولاي بوخارين رميا بالرصاص يوم 15 آذار/مارس 1938 بعد مضي فترة وجيزة عن صدور الحكم ضده. وبعد مضي حوالي 50 عاما على إعدامه، أعاد الاتحاد السوفيتي عام 1988 الاعتبار لنيقولاي بوخارين واصفا محاكمته والتهم الموجهة له بالمفبركة والملفقة.