ما بين أواخر نوفمبر 1939 و13 مارس 1940، تابع العالم عن كثب أطوار حرب الشتاء التي اندلعت عقب تدخل الجيش الأحمر السوفيتي بالأراضي الفنلندية، تزامناً مع فشل المفاوضات التي طالب من خلالها الجانب السوفيتي بالحصول على قسم من الأراضي الفنلندية لتأمين مدينة لينينغراد من غزو ألماني محتمل.
إلى ذلك، كانت نتائج هذه الحرب وخيمة على الجانب الفنلندي الذي خسر قسماً هاماً من أراضيه وقدراته الصناعية لصالح السوفيت. فعلى الرغم من مقاومتهم الشرسة للغزو السوفيتي اعتماداً على إمكانيات متواضعة، أجبر الفنلنديون على قبول شروط موسكو تزامناً مع نفاد ذخيرتهم. وفي الأثناء، انتظرت فنلندا أشهراً لتقتنص فرصة بداية الاجتياح الألماني للاتحاد السوفيتي لتعلن بدورها الحرب على موسكو أملاً في استعادة الأراضي التي نهبت منها.
مستغلين بداية عملية بربروسا (Barbarossa) الألمانية التي باشر خلالها ما يقارب 3 ملايين عسكري ألماني، مدعومين بالدبابات والطائرات والمدفعية، بالتدخل بالأراضي السوفيتية يوم 22 يونيو 1941، أعلن الفنلنديون يوم 25 من نفس الشهر، أي بعد 3 أيام فقط، الحرب على الاتحاد السوفيتي معلنين بذلك فتح جبهة جديدة ضد الجيش الأحمر غرباً بعد مضي 15 شهراً فقط عن توقيع معاهدة سلام موسكو التي أنهت حرب الشتاء ومنحت الاتحاد السوفيتي نحو 10% من الأراضي الفنلندية وجرّدت فنلندا من قرابة 20% من قدراتها الصناعية وأجبرتها على إجلاء ما يعادل 12% من سكانها نحو مناطق أخرى.
إلى ذلك، كانت العلاقات الدبلوماسية السوفيتية الفنلندية قد شهدت فتوراً وتدهوراً كبيراً طيلة فترة السلام التي استمرت 15 شهراً. فخلال الأشهر التي تلت اتفاقية السلام، تابع الفنلنديون عن كثب توسّع الاتحاد السوفيتي على حساب كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وخلال شهر يونيو 1940، اتصل وزير الخارجية السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف بالحكومة الفنلندية ليطالبها بإصدار رخصة تسمح للسوفيت باستغلال مناجم النيكل بمنطقة بيتسامو (Petsamo). ومع رفض هذا الطلب من قبل الفنلنديين وقطع الاتحاد السوفيتي لإمدادات الحبوب على فنلندا، لوّح مولوتوف بعودة الحرب مطالباً الحكومة الفنلندية بهدم جانب من الحصون الدفاعية الحدودية والسماح للسوفيت باستغلال خطوط السكك الحديدية الفنلندية لنقل قواتهم نحو منطقة هانكو (Hanko). وأمام تهديدات مولوتوف وحشد الجيش الأحمر لعدد من قواته على الحدود، رضخ الفنلنديون للمطالب السوفيتية.
أواخر يوليو 1940، اتجهت ألمانيا لإعادة بلورة سياستها الخارجية عقب قرار أدولف هتلر بالاستعداد لغزو محتمل للأراضي السوفيتية خلال الأشهر القادمة. وبموجب ذلك، اتجه الألمان لتحسين علاقاتهم الدبلوماسية وتعاونهم العسكري مع الجانب الفنلندي حيث عوّل المسؤولون الألمان حينها على إمكانية دخول كل من رومانيا، التي جردت بدورها من جانب من أراضيها على يد السوفيت، وفنلندا الحرب لجوارهم ضد الاتحاد السوفيتي.
خلال الأشهر التالية، باشر الألمان بتقديم السلاح، بشكل سري، لفنلندا مساهمين بذلك في إعادة تسليحها عقب كارثة حرب الشتاء. فضلاً عن ذلك، سمحت فنلندا للقوات الألمانية بالمرور عبر أراضيها. ومع سقوط فرنسا واستسلامها للألمان خلال يونيو 1940، فضّل الفنلنديون التخلي عن الدعم البريطاني الفرنسي واتجهوا للقبول بسياسة التقارب مع ألمانيا أملاً في استعادة أراضيهم ومحو هزيمة حرب الشتاء.
وفي غضون ذلك، عبّر السوفيت عن احتجاجهم بسبب التقارب الألماني الفنلندي واتهموا الألمان بانتهاك اتفاقية عدم الاعتداء الموقعة عام 1939. وأمام هذا الوضع، حاولت موسكو تحسين علاقاتها مع فنلندا التي رفضت منذ مدة وجيزة مزيداً من المطالب السوفيتية حول مناجم النيكل ببيتسامو.
وعلى الرغم من عدم حصولهم على معلومات دقيقة حول موعد بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية، حبّذ الفنلنديون التدخل لجانب الألمان. فبالنسبة للرئيس ريستو ريتي (Risto Ryti)، كانت هذه الحرب ضرورية للحفاظ على سيادة واستقلال البلاد وإنشاء ما عرف تاريخياً بفنلندا الكبرى. وبالنسبة للمارشال الفنلندي وقائد الجيش كارل غوستاف إيميل مانرهايم (Carl Gustaf Emil Mannerheim)، مثلت هذه الحرب أمراً ضرورياً لاستعادة الأراضي التي نهبت من فنلندا عقب حرب الشتاء.
بعد مضي 3 أيام فقط عن بداية عملية بربروسا، هاجمت الطائرات السوفيتية عدداً من المواقع الفنلندية. وبسبب ذلك، أعلن الفنلنديون الحرب على الاتحاد السوفيتي وتمكنوا في البداية من استرداد بعض من أراضيهم السابقة. وقد تواصلت هذه الحرب، التي عرفت بحرب الاستمرار، لأكثر من 3 أعوام وانتهت بهزيمة الفنلنديين وقبولهم بمعاهدة أخرى خلال سبتمبر 1944.