يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1555، شهدت أوروبا حدثاً تاريخياً غيّر مستقبلها. فخلال ذلك اليوم، وقع شارلكان (Charles V)، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية وملك إسبانيا، صلح أوغسبورغ (Augsburg)، مع تحالف شمالكالدي (Schmalkaldic) الذي مثّل تحالفاً عسكرياً بين الأمراء اللوثريين بالإمبراطورية الرومانية أثناء منتصف القرن السادس عشر.
جاءت هذه الاتفاقية لتضع حدا للخلاف الديني بين الكاثوليكيين واللوثريين وتؤكد على إمكانية التعايش السلمي بينهما داخل الإمبراطورية الرومانية. أيضا، سمحت هذه الاتفاقية للأمراء، داخل الإمبراطورية الرومانية المقدسة، باختيار اللوثرية أو الكاثوليكية كمذهب داخل مناطق حكمهم.
خلاف حاد وأزمة
يوم 23 أيار/مايو 1618، حل العشرات من النبلاء البوهاميين، المنحدرين من مناطق بوهيميا (Bohemia)، البروتستانتيين بقصر هرادشاني (Hradčany) ببراغ. وبقاعة الاجتماع، التقى هؤلاء النبلاء بممثلي الإمبراطور الروماني المقدس وملك بوهيميا ماثياس (Matthias). وأثناء اللقاء، عبّر النبلاء البوهاميون لممثلي ماثياس ومساعديه عن غضبهم الشديد واستيائهم من قيام الأخير بإغلاق معبدين بروتستانتيين بمنطقتي براوناو (Braunau) وكلوسترغراب (Klostergrab).
أيضا، وصف هؤلاء النبلاء البوهاميين أنفسهم بالمدافعين عن البروتستانتية وحاميها وأكدوا لممثلي الملك البوهيمي على حصولهم على ضمانات من سلفه رودولف الثاني (Rudolf II). من ناحية أخرى، انتقد هؤلاء النبلاء بشدة سياسة ماثياس وتحدّثوا عن تدهر حالته الصحية مؤكدين على رفضهم القاطع تعيينه لابن عمه فرديناند الثاني (Ferdinand II) ملكا على بوهيميا.
وقد برر النبلاء البوهاميون رأيهم هذا بخلفيات فرديناند الثاني الذي صنّف بالكاثوليكي المتعصب وغير المبالي بسلام أوغسبورغ الذي أبرم منذ نحو نصف قرن لضمان السلم بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين بالإمبراطورية الرومانية المقدسة.
قذف الحكام من النوافذ
وبدلا من حل الأزمة بين الطرفين، ساهم هذا الاجتماع في تأجيج الكراهية حيث اتهم النبلاء البوهاميون عددا من الحكام، الذين عيّنهم الامبراطور ماثياس، بالتسبب في حادثة إغلاق دير العبادة البروتستانتية والتأثير على الإمبراطور بهدف ممارسة ضغوط على منتسبي البروتستانتية.
وفي خضم هذا الخلاف، اقترح أحد النبلاء البوهاميين، المعروف بوانزل فون روبا (Wenzel von Ruppa)، قذف عدد من الحكام، الذين عيّنهم الإمبراطور ماثياس، من النوافذ مذكرا بذلك بحادثة وقعت منذ حوالي قرنين ببراغ وأسفرت عن اندلاع نزاع مسلح.
في الأثناء، راقت هذه الفكرة للنبلاء البوهاميين. وفي غضون بضع لحظات، انهال النبلاء على اثنين من الحكام وأقدموا على قذفهما عبر النافذة من أعلى قصر هرادشاني. ولحسن حظهما، وقع هذان الرجلان في كومة من البراز وتمكنا من النجاة بحياتهما.
خلال الفترة التالية، أثارت هذه الحادثة حالة من الاحتقان بالإمبراطورية الرومانية المقدسة وانتهت باندلاع حرب الثلاثين عاما التي هزّت أوروبا الوسطى وأسفرت عن سقوط أكثر من 4 ملايين قتيل.