بالقرون الماضية، مثّل مرض السل أحد أهم التحديات التي هددت البشرية حيث أجهز هذا المرض سنوياً على أعداد كبيرة من البشر. وبمنتصف القرن التاسع عشر، أشار عدد هام من المؤرخين لمرض السل واتهموه بالوقوف وراء ربع الوفيات السنوية كما لقّبوه بالموت الأبيض والمرض الرومانسي بسبب قتله لعدد من عمالقة الفن والأدب كالمؤلف الروسي أنطون تشيخون والمؤلف المسرحي الفرنسي موليير والكاتب التشيكي فرانز كافكا والملحن البولندي فريدريك شوبان.
وتتراوح أعراض هذا المرض بين الحمى والسعال الدامي والقشعريرة والتعرق الليلي وفقدان الشهية وفقدان الوزن والتعب وآلام الصدر واحمرار الخدين وتحول لون البشرة للشاحب. وأثناء فترة تميّزت بتخلف طبي وعلمي، آمن كثيرون بنظرية الميازما ونسبوا إليها المرض مؤكدين على وقوف الهواء الفاسد وراءه بينما اتجه آخرون للإيمان بإمكانية انتقاله وراثيا بين أفراد العائلة الواحدة. وقد انتظر العالم أواخر القرن التاسع عشر، ليفهم طبيعة مرض السل ويتخلى عن النظريات القديمة الخاطئة حيث ساهم كل من الفرنسي لويس باستور والألماني روبرت كوخ في إثبات نظرية جرثومية المرض كما تمكن كوخ من الكشف عن المتفطرة السلية، المعروفة أكثر بعصية كوخ، التي قيل إنها وراء مرض السل.
موضة اللحية سابقا
وقد جاء اكتشاف البكتيريا المسببة لمرض السل ليلقي بظلاله على حياة البشر الذين فضّلوا تغيير نمط حياتهم واعتماد إجراءات جديدة لحماية أنفسهم من العدوى. ومن ضمن هذه الإجراءات، اتجهت نسبة كبيرة من الرجال للتخلص من موضة اللحية التي هيمنت بشكل كبير على قواعد الجمال والصحة لدى الذكور طيلة القرون السابقة حيث اتجه حينها عدد كبير من المثقفين والمفكرين، كفكتور هوغو وتشارلز ديكنز وكارل ماركس، والرؤساء والملوك والأباطرة، كأبراهام لنكولن ونيقولا الثاني وألكسندر الثالث وفرانز جوزيف، لإطلاق لحاهم تيمنا بقدرة ذلك على منحهم خصالا عديدة كالحكمة والثقافة والكاريزما والجمال. أيضا، حث عدد من الأطباء في حدود منتصف القرن التاسع عشر الذكور على إطلاق اللحية بعد أن وصفوها بالدرع المضاد للأمراض.
اللحية مصدر الأمراض
وبالولايات المتحدة الأميركية، سبب مرض السل مطلع القرن العشرين حالة من الهستيريا. فمع ظهور نظرية جرثومية المرض، طالب الأهالي بضرورة فحص الأطفال بالمدارس يوميا لتقصي أعراض الحمى كما حثت مراكز البريد الحرفاء على عدم لعق طوابع البريد ولجأت البنوك لتنظيف وتعقيم القطع والأوراق النقدية بشكل مستمر. من جهة ثانية، وصفت اللحية بمخزن للجراثيم والبكتيريا واتهمت بنقل الأوساخ والبكتيريا المسببة لمرض السل وأمام هذا الوضع لجأ كثيرون للتخلص من لحاهم عن طريق حلقها لتتحول بذلك الأخيرة من رمز للموضة والجمال لمصدر أوساخ ورمز للأمراض.
حملة ضد موضة اللحية
وبولاية نيويورك الأميركية، لجأت إدارة الصحة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد أصحاب اللحى فمنعتهم من العمل في مجال تعليب وتوزيع الحليب مؤكدة على قدرة البكتيريا المتواجدة بلحاهم على نشر السل بشكل سريع بكامل أرجاء الولاية. وبالمستشفيات، لجأت الممرضات منذ أواخر القرن التاسع عشر لحلق لحى المرضى عند دخولهم لتلقي العلاج خوفا من تواجد جراثيم بها وانتقال العدوى لبقية النزلاء الآخرين بالمستشفى. أيضا، قادت صحف عديدة حملات دعائية ضد اللحية فدعت لحلقها والتخلص منها بعد أن لقّبتها بمصدر الأمراض والجراثيم.
إضافة لذلك، لم تتردد العديد من المناطق الأخرى لإقرار قوانين ضد اللحية فخلال العقد الأول من القرن العشرين لجأت باريس لإصدار قوانين أجبرت النوادل بالمطاعم والمقاهي على حلق لحاهم وشواربهم حفاظا على صحة الزبائن وبكاليفورنيا أمرت إدارة التعليم كل المعلمين بحلاقة لحاهم لحماية الأطفال بالمدارس.
وخلال الفترة الأولى من القرن العشرين، حققت الحملة ضد اللحية النتائج المرجوة حيث تراجعت شعبية هذه الموضة خاصة مع ظهور شفرات الحلاقة اليدوية التي سهلت عملية الحلاقة بالمنزل. ومع ظهور الأنفلونزا الإسبانية، لم يكن مسؤولو الصحة الأميركيون بحاجة لحملة ضدها حيث تحولت عملية حلاقة اللحية حينها لأمر عادي ودوري لدى معظم الذكور الأميركيين.