خلال ربيع عام 1939، شهدت العلاقات الدبلوماسية بأوروبا توترا غير مسبوق أنذر بقرب اندلاع نزاع وشيك بالمنطقة. فبعد تتالي التنازلات التي قدّمتها كل من بريطانيا وفرنسا لصالح ألمانيا، أثبتت سياسة التهدئة التي اعتمدها كل من رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين (Neville Chamberlain) ونظيره الفرنسي إدوارد دالدييه (Eduard Daladier) فشلها أمام الأطماع التوسعية الهتلرية. فطيلة الأشهر السابقة، نكث أدولف هتلر بجميع وعوده المقدمة للفرنسيين والبريطانيين فعمد لضم النمسا ومن بعدها منطقة السوديت قبل أن يبتلع مناطق تشيكوسلوفاكيا ضاربا بذلك عرض الحائط جميع المفاهمات السابقة.
تقارب سوفيتي بريطاني فرنسي
أمام هذا الوضع الجديد بأوروبا والتقارب الألماني الإيطالي الذي أسفر عن ظهور تحالف عسكري، أدركت كل من بريطانيا وفرنسا ضرورة الالتفات نحو الاتحاد السوفيتي لبحث مفاهمة عسكرية قد تعيد موازين القوى مجددا لأوروبا. وبالتزامن مع ذلك، كان القائد السوفيتي جوزيف ستالين على دراية مطلقة بضرورة التعاون مع بريطانيا وفرنسا، على الرغم من وصفه لهما بالدول الرأسمالية المعادية، لمواجهة الخطر المحدق ببلاده من الغرب على إثر تعاظم الوجود العسكري الألماني بالمنطقة.
إلى ذلك، كان هذا التقارب بين السوفيت من جهة والفرنسيين والبريطانيين من جهة ثانية صعبا حيث كان الكره بين الطرفين متبادلا. فبينما اعتبر ستالين كل الدول الرأسمالية تهديدا لبلاده، تميّز رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين بعدائه الشديد للاتحاد السوفيتي ولقائده جوزيف ستالين بشكل خاص. أيضا، رفض تشامبرلين فكرة التحالف مع السوفيت مؤكدا على عدم وجود حدود مشتركة بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا خلال ربيع عام 1939 كما تخوّف رئيس الوزراء البريطاني أيضا من ردة فعل بعض الدول كرومانيا وبولندا اللتين اعتبرتا ستالين أسوأ من هتلر، حيث عبّر الأخير حينها عن قلقه من إمكانية تحالف هذه الدول مع ألمانيا في حال حدوث تقارب بريطاني سوفيتي.
ومع تواصل الاعتداءات الهتلرية بأوروبا، غيّر تشامبرلين رأيه مؤكدا على ضرورة الحصول على دعم ستالين في حال اندلاع نزاع مسلح ضد ألمانيا. وبحلول أواخر شهر حزيران/يونيو 1939، أثبتت نتائج استطلاع رأي ببريطانيا أن أكثر من 80% من البريطانيين يؤيدون فكرة التحالف مع الاتحاد السوفيتي لمواجهة أطماع أدولف هتلر بأوروبا.
تمثيل دبلوماسي سيئ ومفاوضات فاشلة
ما بين 15 حزيران/يونيو ومطلع شهر آب/أغسطس 1939، عقد ممثلو كل من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي اجتماعات أسفرت عن مفاهمة أولية تقضي بعقد نوع من التحالفات للتعاون العسكري في حال تعرض إحداهما أو أي من الدول المجاورة لألمانيا لغزو هتلري.
لكن مع بداية المفاوضات الرسمية، صدم السوفيت من الوفدين الفرنسي والبريطاني. فبينما مثّل المارشال ووزير الدفاع كليمونت فوروشيلوف (Kliment Voroshilov) الاتحاد السوفيتي أثناء المفاوضات، أرسلت بريطانيا وفدا ترأسه الأميرال ريجينالد دراكس (Reginald Drax) بينما تزعّم الوفد الفرنسي الجنرال إيميه دومينك (Aimé Doumenc).
على حسب مصادر تلك الفترة، لم يكن لممثلي الوفدين الفرنسي والبريطاني أية صلاحيات لاتخاذ قرارات هامة تتعلق بعقد التحالفات كما عجزا عن تقديم أية معلومات تذكر حول إمكانية التحاق بولندا ورومانيا بهذا التحالف وسماحهما بعبور الجيش الأحمر عبر أراضيهما لمقارعة الجيش الألماني.
وبسبب هذا التمثيل الدبلوماسي السيئ، شكك السوفيت في مدى جدية الفرنسيين والبريطانيين حول التحالف المزمع إقامته لتشهد بذلك المفاوضات فشلا ذريعا يوم 21 آب/أغسطس 1939.
ستالين بتحالف مع هتلر
وبعد يومين فقط من نهاية هذه المفاوضات، حلّ وزير الخارجية الألماني يواخيم فون ريبنتروب (Joachim von Ribbentrop) بموسكو ليتمكن من عقد اتفاقية عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي وافق من خلالها ستالين على تقاسم أراضي بولندا مع هتلر وتزويد الجيش الألماني بالقمح والمواد الأولية.