بسلحفاة.. حاولت أميركا حماية أطفالها من النووي السوفيتي

يوم 29 آب/أغسطس 1949، دخل العالم مرحلة جديدة من الحرب الباردة، حيث اتخذ هذا الصراع الأميركي السوفيتي منحى خطيرا مع انضمام الاتحاد السوفيتي للنادي النووي عقب نجاحه في تفجير أولى قنابله النووية بإحدى المناطق النائية من كازاخستان. ومع ظهور قوة نووية جديدة بالعالم، تيقنت الإدارة الأميركية من إمكانية تحوّل الولايات المتحدة لهدف محتمل للقنبلة السوفيتية في حال اندلاع نزاع مسلح مع موسكو. ولهذا السبب، لم يتردد الأميركيون في إقرار جملة من الإجراءات لحماية أنفسهم من هذه الحرب النووية التي باتت تلوح في الأفق.

حماية الأطفال

وضمن برنامج الدفاع المدني الفيدرالي الذي أقرته إدارة الرئيس الأميركي هاري ترومان (Harry Truman) لحماية البلاد من هجوم نووي محتمل، حظي الأطفال بمكانة هامة حيث لم يتردد المسؤولون الأميركيون في بذل قصارى جهدهم لإقتاعهم بخطورة الوضع وضرورة حماية أنفسهم.

ومطلع الخمسينيات، سجلت الولايات المتحدة الأميركية ظهور مصطلح " انحني واختبئ " (Duck and Cover) الشهير الذي اقتبس من أحد الأفلام الإرشادية الشهيرة لبرنامج الدفاع المدني الفيدرالي. وقد لجأت الولايات المتحدة الأميركية حينها لهذا الفيلم الإرشادي القصير الموجه للأطفال والبالغين لتحذيرهم من خطر الهجمات النووية وإرشادهم للتصرفات والإجراءات الصحيحة في حال وقوع الكارثة.

شخصية السلحفاة بيرت

وعام 1951، حصلت الإدارة الأميركية على خدمات مؤسسة أرتشر للإنتاج (Archer Productions) بنيويورك لوضع فيلم قصير صالح للعرض بالمدارس لتعليم الأطفال الطرق الصحيحة لحماية أنفسهم عند وقوع الإنفجار النووي. وانطلاقا من ذلك، ظهر فيلم "انحني واختبئ" الذي صورت أجزاء منهم بإحدى مدارس منطقة أستوريا (Astoria) بحي كوينز (Queens) بنيويورك. وقد أشرف على كتابة سيناريو هذا الفيلم السيد رايموند موير (Raymond J. Mauer) تحت إدارة وإشراف أنطوني ريزو (Anthony Rizzo) وبمشاركة الراوي روبرت ميدلتون (Robert Middleton).

وتزامنا مع ذلك، شهد هذا الفيلم ظهور شخصية الرسوم المتحركة السلحفاة بيرت (Bert the Turtle). ففي بدايته، احتوى الفيلم على مقطع رسوم متحركة برزت خلاله السلحفاة بيرت وهي تتجول مرتدية خوذة واقية لتجد نفسها قرب شجرة عليها قرد يحمل متفجرات. وعند وقوع الانفجار، طبقت السلحفاة بيرت ما جاء بعنوان الفيلم فاستلقت على الأرض مطبقة مبدأ الانحناء قبل أن تختفي داخل قوقعها مطبقة مبدأ الاختباء.

وعن طريق هذا الفيلم الذي احتوت بدايته على موسيقى مرحة، حاول برنامج الدفاع المدني الفيدرالي تقديم الانفجار النووي للأطفال على أنه خطر مشابه للحرائق وحوادث الطرقات.

وفي حال وقوع الكارثة النووية، طلب من الأطفال أن يقتدوا بمثال السلحفاة بيرت لحظة وقوع الانفجار عن طريق الانبطاح أو الانحناء تحت طاولاتهم أو قرب الجدران بالمدرسة وتغطية وجوههم والجزء الخلفي من أعناقهم. وفي حال وجودهم خارج المدرسة وجهلهم بأقرب موقع آمن، طلب الفيلم، بجزئه المتبقي، من الأطفال التوجه نحو أقرب شخص بالغ للحصول على إرشادات وإطاعة أوامر مسؤولي ورجال الدفاع المدني.

بناء الملاجئ والتخلي عن السلحفاة بيرت

وعلى الرغم من تقديمه لتوضيحات حول إجراءات سلامة بسيطة لمواجهة الانفجارات النووية خلال الخمسينيات، أصبح فيلم "انحني واختبئ " بلا قيمة خلال الستينيات حيث اتخذ سباق التسلح بين الأميركيين والسوفييت منحى آخر تزامنا مع إطلاق الاتحاد السوفيتي لسبوتنيك نحو الفضاء عام 1957 وتجربته لقنبلة القيصر النووية عام 1961 التي عادلت شدة انفجارها انفجار عشرات ملايين الأطنان من مادة تي أن تي (TNT). وأمام هذا الوضع الجديد، أصبحت شخصية السلحفاة بيرت مثيرة للسخرية بين الأميركيين الذين حبّذت إدارتهم بناء مزيد من الملاجئ وتهيئتها بشكل ملائم استعدادا لحرب نووية.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: