بعد مضي نحو 100 عام عن بداية احتلالها للهند الصينية، واجهت فرنسا ما بين شهري آذار/مارس وأيار/مايو 1953 واحدة من أسوأ كوارثها العسكرية التي عجّلت بخروجها من المنطقة. فبعد طردهم من فيتنام على يد اليابانيين بالحرب العالمية الثانية، حاول الفرنسيون العودة بالقوة للمنطقة عن طريق خوض معارك ضارية ضد المقاومين ذوي النزعة الاستقلالية الذين تجمّعوا أساسا بالفيت مين (Việt Minh)، أي الحزب الشيوعي، بقيادة هو تشي منه (Hồ Chí Minh).
التواجد الفرنسي بفيتنام
مع بداية حرب الهند الصينية الأولى، نجح الفرنسيون في الهيمنة على جنوب فيتنام ودلتا النهر الأحمر بالشمال قرب هانوي (Hanoi). إلى ذلك، لم تكن هذه الانتصارات كافية لتأمين المناطق الجبلية التي ظلت تحت سيطرة الفيت مين الذين تلقوا دعما عسكريا هائلا من الصين.
وبباريس، وصف السياسيون الفرنسيون الحرب بفيتنام بالضرورية لإعادة السلام والأمن للمنطقة. لكن في حقيقة الأمر، حاول الفرنسيون تحقيق مكاسب على الأرض قبل مؤتمر جنيف خلال شهر أيار/مايو 1954 لضمان قبول شروطهم على طاولة المفاوضات حول مستقبل الهند الصينية. ويوم 20 أيار/مايو 1953، عيّن رئيس مجلس الوزراء الفرنسي رينيه ماير (René Mayer) الجنرال هنري نافار (Henri Navarre) على رأس القوات الفرنسية بدلا من نظيره راؤول سالان (Raoul Salan) ذي الخبرة العسكرية.
خروج الفرنسيين
مع نجاحه في طرد الفيت مين من الدلتا، اتجه الجنرال نافار لوضع خطة سعى من خلالها لجرّ العدو نحو مكان مكشوف للقضاء عليه بضربات المدفعية والطائرات الحربية. إلى ذلك، اختار الجنرال الفرنسي حوض ديان بيان فو (Diên Biên Phu) قرب الحدود مع لاوس لتنفيذ عمليته. ويوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1953، تمكنت فرقتان مظليتان فرنسيتان من الهبوط بهذه المنطقة الغابية التي غادرتها قوات الفيت مين تحت وطأة الضربات الفرنسية.
وخلال الأشهر التالية، لجأ الفرنسيون لقطع الأشجار وتهيئة المنطقة قبل أن يتمكنوا في فترة وجيزة من إنشاء قاعدة عسكرية، احتوت على مهبط طائرات، أحيطت بالأسلاك الشائكة وعدد من الخنادق والتحصينات الأخرى.
في خضم هذه الأحداث، جمع هو تشي منه بالجهة المقابلة عشرات آلاف الجنود، نقلوا أساسا عبر الغابات، واستعد للهجوم على القاعدة العسكرية الفرنسية. فضلا عن ذلك، حلّ الجنرال بالجيش الشعبي الفيتنامي فون نجوين جياب (Võ Nguyên Giáp) بالمكان رفقة نحو 30 ألفا من جنوده ليقدم الدعم لبقية القوات الفيتنامية.
ففي البداية، فرض الجنرال جياب حصارا على القاعدة الفرنسية قبل أن يأمر قواته ببدء الهجوم يوم 13 آذار/مارس 1954 وسط ذهول من الجانب الفرنسي. وبعد أيام من المعارك، وجد الفرنسيون أنفسهم معزولين تزامنا مع خراب مهبط الطائرات واضطروا بسبب ذلك للاعتماد على المساعدات التي ألقتها الطائرات الفرنسية بالمظلات عند مرورها فوق المكان.
قتلى وأسرى بالآلاف
عقب حصار ومعارك استمرت ليوم 7 أيار/مايو 1954، استسلم الفرنسيون بالمنطقة للقوات الفيتنامية مثيرين بذلك ذهول العالم تزامنا مع تغطية وسائل الإعلام للحدث. وخلال العمليات القتالية التي استمرت لأكثر من شهر و3 أسابيع بديان بيان فو، قتل نحو 3 آلاف جندي فرنسي وأصيب 4 آلاف آخرون بينما وقع حوالي 10 آلاف آخرين بالأسر أطلق سراح النسبة الأكبر منهم بحلول أيلول/سبتمبر عقب تعرضهم لمعاملة قاسية على يد الفيتناميين بالغابات.
وفي باريس، أعلن المسؤولون الفرنسيون عن انهيار الجبهة. وخلال الأيام التالية، افتتحت أعمال مؤتمر جنيف الذي أسفر رسميا عن خروج القوات الفرنسية من المنطقة وانقسام فيتنام لنصفين تميّزا باختلاف أنظمة الحكم والتوجهات الأيديولوجية.