على مدار نحو 6 سنوات من القتال، أسفرت الحرب العالمية الثانية عن سقوط ما يزيد عن 60 مليون قتيل لتصنف بذلك كأثر صراع دموي على مر تاريخ البشرية. وفي الأثناء، صنّف الإتحاد السوفيتي كأكثر الدول المتضررة من حيث حجم الخسائر البشرية بهذا النزاع العالمي. فما بين يوم 22 حزيران/يونيو 1941، تاريخ بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية، ويوم 2 أيلول/سبتمبر 1945 الموافق ليوم توقيع اليابان على وثيقة استسلامها، خسر الإتحاد السوفيتي أكثر من 20 مليونا من مواطنيه بالمعارك المستعرة ضد قوات دول المحور.
وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، غاص الإتحاد السوفيتي بأزمة جديدة حيث عجزت هذه القوة العالمية الجديدة عن إطعام مواطنيها لتواجه بذلك ويلات مجاعة فتكت بالملايين.
أسباب المجاعة
عقب احتفال النصر على ألمانيا النازية والإستعراض العسكري الذي احتضنته الساحة الحمراء بموسكو يوم 24 حزيران/يونيو 1945، وجد المسؤولون السوفيت أنفسهم أمام الأمر الواقع. فعلى إثر ما يقارب 4 سنوات من الحرب ضد الألمان على الساحة الأوروبية وجد الإتحاد السوفيتي نفسه عاجزا عن إطعام جميع مواطنيه الذي قدّر عددهم بنحو 170 مليون نسمة.
إلى ذلك، وجد الإتحاد السوفيتي نفسه أمام هذا الوضع بسبب تراكم العديد من العوامل. فبسبب سنوات الحرب، دمّرت البنية التحتية بشكل شبه كامل بأهم المدن السوفيتية. فضلا عن ذلك، نال القطاع الزراعي نصيبه من هذا الخراب حيث خرّبت الحقول وأحرقت وافتقر الفلاحون للحبوب والأسمدة والآلات الزراعية.
وتزامنا مع عودة الجنود السوفيت من جبهات القتال نحو ديارهم، شهدت نسبة الولادات بالإتحاد السوفيتي ارتفاعا لم تكن البلاد مهيأة له. وقد جاءت العوامل المناخية للعام 1946 لتزيد الطين بلّة. فبسبب الجفاف والقحط الذي شهده ذلك العام، كانت المحاصيل السوفيتية من الحبوب ضئيلة مقارنة بتلك التي سجلت عام 1945.
وأملا في مواصلة سياسة الإصلاح الاقتصادي ما بعد الحرب العالمية الثانية، قلّص المسؤولون السوفيت الحصص الغذائية الموفرة للمواطنين تزامنا مع تواصل ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وللظهور بمظهر الدولة القوية والشامخة في سياق الحرب الباردة، أمر القائد السوفيتي جوزيف ستالين بتجنب الحديث عن المجاعة ومواصلة تصدير المواد الغذائية ورفض أية مساعدات قد تقدمها دول أجنبية.
أكثر من مليون ضحية
خلال هذه المجاعة التي استمرت ما بين منتصف العام 1946 ومطلع العام 1948، توفي ما يزيد عن مليون سوفيتي بسبب الجوع. وفي الأثناء، يرجّح الخبراء المعاصرون أن يكون العدد أكبر بكثير بسبب انتشار اليتامى والمشردين، الذين كان من الصعب احصائهم، عقب الحرب العالمية الثانية. وبسبب عدم عثورهم على أي شيء يأكل، لجأ العديد من الأهالي للتغذي على جثث الموتى.
بناء على الإحصائيات المعاصرة، كانت أوكرانيا أكثر المناطق تضررا بسبب هذه المجاعة. فخلال تلك الفترة، خسرت الأخيرة 300 ألفا من سكانها بسبب الجوع بينما مولدوفا 100 ألفا وقدر عدد الضحايا بالأراضي الروسية والبيلاروسية بحوالي نصف مليون.