خلال شهر حزيران/يونيو 1812، أطلق الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت العنان لحملته العسكرية على الإمبراطورية الروسية عقب تردي العلاقات الدبلوماسية وارتفاع حدّة التوتر مع نظيره الروسي ألكسندر الأول.
ولإنجاح هذا الاجتياح، جنّد بونابرت حوالي 600 ألف فرنسي وتقدم بثبات أمام القوات الروسية التي تجنبت في الغالب المواجهة مفضلة التراجع.
ويوم 14 أيلول/سبتمبر 1812، تمكن الفرنسيون من دخول موسكو ليجدوا أنفسهم أمام مدينة أشباح، حيث حبّذ أغلب سكان هذه المدينة الروسية البالغ عددهم 275 ألف نسمة الرحيل عنها ليبقى بها بضعة آلاف فقط ممن اختاروا ملازمة منازلهم.
إلى ذلك، آمن نابليون بونابرت بقرب نهاية حربه مع الروس. فمع سقوط موسكو، ظنّ نابليون أن استسلام الإمبراطور الروسي ألكسندر الأول مشكلة وقت فقط ليتفاجأ لاحقا مع حلول الليل بحريق هائل التهم العاصمة التاريخية للإمبراطورية الروسية ودمّر قسطا هائلا من معالمها.
ومع اندلاع ألسنة اللهب، أيقظ العسكريون الإمبراطور نابليون بونابرت الذي توجه مسرعا نحو إحدى نوافذ الكرملين ليتأمل المشهد الرهيب الذي خلّفه إحراق الروس لموسكو.
خطة نابليون لتدمير الكرملين
استمر التواجد الفرنسي بموسكو لأسابيع. وتزامنا مع فقدانه الأمل في استسلام ألكسندر الأول واقتراب الشتاء الروسي البارد، فضّل نابليون بونابرت مغادرة موسكو والتراجع غربا.
وقبل رحيله عن مدينة يوري دولغوروكي (Yuri Dolgorukiy)، مؤسس موسكو، اتجه نابليون بونابرت لترك بصمة تاريخية بهذه المدينة الروسية.
فأمر جنوده بتفجير مبنى الكرملين وتسويته بالأرض قبيل المغادرة ضمن نوع من أنواع الانتقام من الإمبراطور الروسي ألكسندر الأول الذي تواجد حينها بسانت بطرسبرغ.
إلى ذلك، أوكلت مهمة تسوية الكرملين بالأرض للمارشال الفرنسي إدوارد مورتييه (Édouard Mortier) الذي بقي بموسكو رفقة حوالي 8 آلاف جندي عقب رحيل نابليون بونابرت.
ولإنجاح هذه المهمة، جنّد مورتييه العديد من أهالي موسكو وأجبرهم غصبا على حفر خنادق حول مبنى الكرملين لملئها بالمواد المتفجرة استعدادا لمحو هذا المبنى التاريخي من الخارطة.
من جهة ثانية، رفض العديد من أهالي موسكو مخطط بونابرت فاستغلوا عتمة الليل لمغادرة المدينة والتوجه صوب الجنرال الروسي فرديناند فون وينتزينجيرود (Ferdinand von Wintzingerode) لإطلاعه عن الأمر.
وحال سماعه بالأمر، أكد الجنرال الروسي أنه سيشنق كل الفرنسيين بموسكو في حال المساس بأي مبنى تاريخي بها. وعلى الفور، انطلق فون وينتزينجيرود في مهمة انتحارية للقاء المارشال الفرنسي مورتييه لإقناعه بالعدول عن تخريب الكرملين ليجد نفسه على إثر ذلك أسيرا في قبضة القوات الفرنسية.
المطر ينقذ الكرملين ويفسد خطة نابليون
وتزامنا مع رحيل العدد الأكبر من قواتهم عن موسكو، باشر الفرنسيون بتفجير الكرملين. وقد أسفرت التفجيرات الأولى عن تدمير برج فودوفزفودنايا (Vodovzvodnaya) وتخريب أبراج بتروفسكايا (Petrovskaya) كما عرف جانب من أسوار المبنى أضرارا جسيمة.
إلى ذلك، كان للطبيعة رأي مخالف لرأي نابليون بونابرت. فتزامنا مع بداية عملية تدمير الكرملين، فشل الفرنسيون في تفجير نسبة كبيرة من المتفجرات الموجودة حول المبنى الروسي التاريخي حيث أسفرت الأمطار الغزيرة عن إبطال مفعولها مساهمة بذلك في إنقاذ الكرملين من مصير أسود خطط له نابليون بونابرت قبيل رحيله عن المدينة.
وتزامنا مع دخولهم لموسكو، باشر جنود فرقة الخيالة الروسية بقيادة الجنرال ألكسندر فون بينكندورف (Alexander von Benkendorf) على جناح السرعة بسحب كميات المتفجرات المتراكمة حول الكرملين تخوفا من احتمال انفجارها في وقت لاحق.