على مر التاريخ، قدّم العديد من العلماء والأطباء خدمات ساهمت في تخليص البشرية من أمراض فتاكة وأنقذت أرواحاً بشرية عديدة من الموت. وإضافة لأولئك الذين نجحوا في اكتشاف لقاحات وأدوية، يذكر التاريخ أسماء أشخاص ابتكروا آلات سهّلت عمليات التشخيص والتصدي للأمراض.
فعام 1895، اكتشف الألماني فيلهلم كونراد رونتغن (Wilhelm Conrad Röntgen) الأشعة السينية التي تستخدم في التصوير الإشعاعي. وسنة 1881، اخترع الألماني صمويل سيغفرويد كارل فون باخ (Samuel Siegfried Karl von Basch) مقياس ضغط الدم. وقبلهما بحوالي 8 عقود، ابتكر الطبيب الفرنسي رينيه لينيك (René Laennec) السماعة الطبية.
ولهذه القائمة، ينضاف اختراع المنشقة، أو كما تعرف أيضا بالبخاخة الطبية، التي تتمثل في أداة قادرة على إيصال كمية معينة من الدواء نحو الرئتين.
ابتكار جون مودج
ويعود الفضل في ابتكار المنشقة لتكاتف جهود العديد من العلماء والمبتكرين طيلة قرون. ففي القديم، اعتمد البشر على الأبخرة العطرية والطبية لعلاج عدد من الأمراض. وقديما، استخدم الإنسان عملية الغلي والحرق للحصول على الغازات التي تستخدم لترسل نحو الرئة عن طريق الاستنشاق.
ويعود الفضل في ظهور إحدى أولى نماذج المنشقة للطبيب والفلكي الإنجليزي جون مودج (John Mudge). فعام 1778، ابتكر مودج جهازا كان أشبه بقدح من البيوتر (pewter) ثقب سطحه وثبّت عليه أنبوب مرن لتسهيل عملية الاستنشاق. وللحصول على العلاج، يقوم المستخدم بصب الماء الساخن، الذي تم خلطه مع الدواء، في خزان القدح قبل أن يغلق الغطاء ويستنشق البخار المتصاعد عن طريق الأنبوب.
ومع بداية استخدامه لهذا الجهاز، وضع الطبيب جون مودج خليطا احتوى على الأفيون بها لمرضاه من أجل علاج السعال.
طفلة تبلغ 13 عاما كمصدر إلهام
بفضل التقدم التكنولوجي الذي وفرته الثورة الصناعية، أصبح الجهاز الذي ابتكره جون مودج منتشرا بين الإنجليز خلال القرن التاسع عشر واستخدم بكثافة لمواجهة أعراض مرض الربو. بالتزامن مع ذلك، أدخل عدد من الأطباء، وعلى رأسهم الطبيب بيغل (Dr Beigel)، العديد من التحسينات على هذا البخاخ الطبي. فعام 1866، أضاف له الأخير قطعة أخرى استخدمت لتسهيل عملية الاستنشاق عبر الفم. وقد شهدت نفس تلك الفترة استخدام مزيد من المواد الكيميائية، التي كان جلها ساما ومضرا بالصحة، بهذه البخاخة الطبية كالتربنتين والقطران والكلورين والأمونياك.
وقد جاء التطور الهام في طريقة صنع وعمل المنشقة، أو البخاخة الطبية، عام 1956 بفضل طفلة تبلغ من العمر 13 عاما ووالدها. فبسبب معاناتها من مرض الربو وعدم فاعلية البخاخة الزجاجية التي حصلت عليها، سألت الطفلة سوزي مايزون (Susie Maison) والدها جورج مايزون (George Maison)، مدير مخابر رايكر (Riker Laboratories)، عن إمكانية صنع بخاخ طبي سهل الاستعمال وشبيه بقنينة العطر.
واعتمادا على فكرة ابنته كمصدر إلهام، استعان جورج مايزون بخبرة عدد من فنيي التجميل المختصين في العطور والكيميائي إرفينغ بوروش (Irving Porush) ليبتكر جهاز الاستنشاق بالجرعات المقننة (MDI) باستخدام قوارير زجاجية وصمامات مصممة لزجاجات العطور. وخلال السنوات التالية، أصبح هذا الجهاز البخاخة الرئيسية المعتمدة لعلاج مرضى الربو والانسداد الرئوي المزمن.