في خضم الحرب العالمية الأولى، وجد جنود الحلفاء أنفسهم أثناء معركة إيبر الثانية عام 1915 في مواجهة الغاز الكيمياوي الذي استخدم من قبل القوات الألمانية بشكل مفاجئ. وعلى إثر استخدامهم لنحو 168 طناً من غاز الكلور، تسبب الألمان في مقتل 5000 من جنود الحلفاء وإصابة 10 آلاف آخرين ممن وجدوا أنفسهم عاجزين عن مقاومة هذا الغاز القاتل بسبب عدم امتلاكهم معدات عسكرية ملائمة.
وحصل الجنود خلال السنوات التالية على الحماية الكافية لمقارعة الغاز الكيمياوي بفضل جهود عدد من المبتكرين الذين عملوا في سباق ضد الزمن أثناء الحرب تزامناً مع انتشار استخدام هذا السلاح القاتل من قبل جميع الأطراف المتحاربة.
ويعود الفضل في ظهور أول قناع غاز للعالم الإسكتلندي جون سكوت هولدين (John Scott Haldane) المولود يوم 2 مايو 1860 بمدينة إدنبرة (Edinburgh) والحاصل على شهادة في مجال الطب عام 1884 والمختص في مجال علم وظائف الأعضاء المعروف أكثر بـ"الفيسيولوجيا".
وعمل جون سكوت هولدين منذ سنوات بمجال الغازات السامة. فإضافة لدراساته وإسهاماته في ابتكار علاجات للعديد من الأمراض، حذّر هذا الطبيب الإسكتلندي من خطورة الغازات الموجودة بالمناجم على حياة العمال. وأملاً في إنقاذ حياة هؤلاء العمال، اقترح جون سكوت هولدين إطلاق الطيور والحيوانات الصغيرة بالمناجم للكشف عن وجود الغازات السامة عديمة الرائحة.
عقب الهجوم الكيمياوي الألماني خلال معركة إيبر الثانية سنة 1915، أُرسِل جون سكوت هولدين إلى ساحة المعركة لتحديد الغاز السام الذي استخدمه الجنود الألمان. وعقب دراسته لبقايا ثياب ضحايا هذا الهجوم وملاحظته لتغير لون أزرار معاطفهم، حدد هذا العالم الإسكتلندي الغاز المستخدم مؤكداً على أنه الكلور.
عقب عودته لمنزله في أوكسفورد بإنجلترا، اتجه جون سكوت هولدين للبحث عن طريقة لحماية الجنود البريطانيين من هجمات كيمياوية ألمانية بالمستقبل. ولتجربة ما توصّل إليه طيلة أبحاثه، عمد هذا الطبيب الإسكتلندي لجعل نفسه، وأفراد عائلته، فئران تجارب حيث لجأ، برفقة أطفاله، لتجربة الأقنعة الواقية من الغازات التي ابتكرها.
وقبل تجارب جون سكوت هولدين، اتجه الفرنسيون والبريطانيون للاعتماد على طريقة غريبة لحماية أنفسهم من الغاز الكيمياوي حيث لجأ الجنود حينها لوضع مناديل أو جوارب مبللة بالبول على وجوههم لتغطية أنوفهم وأفواههم بها.
بحلول مايو 1915، عرض جون سكوت هولدين للعالم ابتكاره الملقب بـ"الكمامة ذات الرقبة السوداء" والذي كان عبارة عن ضمادة قطنية مبللة بمحلول ماص يتم تثبيتها على الفم باستخدام خرقة كبيرة صنعت من القطن الأسود. إلى ذلك، استخدمت مركبات كيمياوية سائلة كثيوكبريتات الصوديوم وكربونات الصوديوم في هذا القناع الذي ابتكره هولدين لتحييد تأثيرات غاز الكلور ضعيف التركيز.
مع قيام الألمان بزيادة تركيز غاز الكلور المستخدم، أصبحت الكمامة ذات الرقبة السوداء بلا قيمة. وبسبب ذلك، شارك جون سكوت هولدين في جهود ابتكار قناع الغاز الجديد الذي عُرف بـ"صندوق التنفس" وابتكر من قبل العالم إدوارد هاريسون (Edward Harrison) الذي فارق الحياة أثناء التجارب بسبب تعرضه لكميات كبيرة من الغاز الكيمياوي. لاحقاً، فقد هذا الجهاز الجديد فاعليته تزامناً مع ظهور غاز الخردل.