أثناء حرب الاستقلال الأميركية، لعب العديد من كبار العسكريين الأجانب دورا هاما في حسم النزال لصالح الأميركيين الذين تمكنوا في النهاية من إجبار البريطانيين على قبول معاهدة باريس عام 1783 التي اعترف بموجبها البريطانيون باستقلال الولايات المتحدة الأميركية.
إضافة للفرنسي الماركيز دي لافاييت (marquis de La Fayette)، ساهم العسكري البروسي المعروف بالبارون فريدريش فون شتويبن (Friedrich von Steuben) في تحديث الجيش القاري الذي افتقر حينها للانضباط والخبرة العسكرية.
قرار بالرحيل عن بروسيا
إلى ذلك، نصح فرانكلين بنجامين صديقه، وبطل حرب الاستقلال وأول رئيس بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية، جورج واشنطن بالاعتماد على خدمات فون شتويبن لتحديث الجيش القاري. رافضا جميع الإشاعات حول حادثة طرد فون شتويبن من الجيش البروسي بسبب فضيحة جنسية، أبدى فرانكلين بنجامين اهتمامه الشديد بهذا العسكري البروسي الذي التحق بجيش فريدريك الأكبر منذ السابعة عشر من عمره قبل أن يصبح فيما بعد مستشارا عسكريا لدى الملك.
مع إقصائه من الجيش البروسي، رفض فون شتويبن عرض فرانكلين بنجامين واتجه للبحث عن وظيفة أخرى بالمجال العسكري. وعلى إثر تزايد الضغوطات عليه بسبب فضائحه الجنسية، قرر فون شتويبن الرحيل عن وطنه ليعبر المحيط الأطلسي نحو الولايات المتحدة الأميركية.
دور هام بحرب الاستقلال
مع حلوله على الأراضي الأميركية، ذهل فون شتويبن برداءة التكوين العسكري للأميركيين الذين قاتلوا بحرب الاستقلال. وعلى الفور، اتجه هذا العسكري السابق بجيش فريدريك الأكبر لفرض الانضباط وتقديم تدريب عسكري للأميركيين اعتمادا على التقنيات البروسية الصارمة. وبناء على مصادر تلك الفترة، لم يتقن الجنود الأميركيون قبل وصول فون شتويبن طريقة استخدام الحراب المثبتة على بنادقهم واعتمدوا عليها في الغالب لتقطيع اللحم أثناء تناول الطعام. لكن مع حلول هذا العسكري البروسي، تعلّم الجنود الأميركيون تقنيات وكيفية مهاجمة العدو اعتمادا على هذا السلاح.
من ناحية ثانية، لم يتقن فون شتويبن اللغة الإنجليزية. وللتواصل مع الجنود، اعتمد الأخير على مترجمين اثنين حيث تكلّم فون شتويبن باللغة البروسية لسكرتيره الذي ترجم ذلك للفرنسية لمترجم آخر تكفل بترجمة ما سمعه للإنجليزية.
إلى ذلك، ساهمت التقنيات التي قدّمها فون شتويبن، خاصة في مجال استخدام الحراب المثبتة على البنادق، في إحداث فارق كبير بحرب الاستقلال الأميركية. فعام 1779، استغل الجنرال بالجيش القاري أنتوني واين (Anthony Wayne) تعليمات وتوجيهات العسكري البروسي السابق لحسم معركة ستوني بوينت (Stony Point) التي اعتمد خلالها الأميركيون على الحراب للتغلب على البريطانيين وإجبارهم على الانسحاب. وقد جاء هذا النصر حينها، ليعيد الثقة لجنود الجيش القاري الذين تلقوا بالفترة السابقة هزائم عديدة.
في الأثناء، لعب فون شتويبن دورا محوريا في انهاء حرب الاستقلال لصالح الأميركيين ليكون بذلك أحد الوجوه البارزة التي ساهمت في ظهور الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من سجله الحافل على الأراضي الأميركية، واجه شتويبن بعد حرب الاستقلال مشاكل مالية تمكن من تخطيها بفضل الجراية التقاعدية التي حصل عليها ومساعدة صديقه السياسي ألكسندر هاميلتون (Alexander Hamilton). وقد فارق هذا الرجل البروسي الحياة يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1794 بنيويورك عن عمر يناهز 64 عاما وسط أجواء مشحونة بسبب الفضائح الجنسية التي لاحقته لحين مماته.